بعض فناني الكوميديا ينتزع منك الضحك بمجرد مشاهدته، وقبل أن ينطق حرفاً. هذا كان حال الفنان الراحل يونس شلبي، صاحب الوجه الطفولي والجسم «المقلبظ» الذي تخصص في أدوار الصبي الشقي أو الرجل الأبله الساذج «أبو مخ تخين».
ولد شلبي في 31 مايو عام 1941 بمدينة المنصورة في محافظة الدقهلية، وحصل على شهادة البكالوريوس من قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1969، من بعد فشله في إتمام دراسته بكلية التجارة في جامعة عين شمس.
كان أول ظهور له على المسرح في مسرحية «الغول». أما أول ظهور له على الشاشة الفضية فقد كان في مسلسل «عباس وحكايته مع الناس». وأما أول أفلامه السينمائية فقد كان فيلماً بعنوان «ولد وبنت»، وتلاه فيلم «نقطة سم».
غير أن العمل الذي أطلق شهرته إلى عنان السماء، ولفت أنظار الجمهور والمخرجين والمنتجين إليه فهو مسرحية «مدرسة المشاغبين» في سنة 1971، مع سهير البابلي وحسن مصطفى وعادل إمام وأحمد زكي وسعيد صالح وهادي الجيار.
في تلك المسرحية الخالدة، المقتبسة من الفيلم البريطاني «إلى المعلم مع الحب»، أدى شلبي دور الطالب «منصور» ابن ناظر المدرسة عبدالمعطي (حسن مصطفى)، الذي يعاني من التلعثم في الكلام ولا ينطق أي جملة مفيدة. والحقيقة أنه أبدع، وتفوق على نفسه في هذا الدور، إلى درجة أن المسرح كان يهتز من الضحك كلما نطق.
وحدث الشيء نفسه لاحقاً في مسرحيته الأخرى «العيال كبرت» في عام 1979 والتي شاركه فيها سعيد صالح وأحمد زكي وحسن مصطفى وكريمة مختار ونبيلة السيد. كان شلبي بعد كل موجة ضحك تنتابه مع صحبه من الفنانين المقربين إليه (نجوم مدرسة المشاغبين) يقول «اللهم اجعله خير» كعادة المصريين في خشيتهم من قدوم نوبة حزن بعد نوبة الفرح. وهذا ما حدث له بالفعل.
فالرجل الذي أضحك الملايين بأدواره الكوميدية، وكان مثالاً للرجل النقي الطيب ذي القلب الكبير، عاش سنواته الأخيرة في هم وحزن وآلام بسبب المرض إلى أن توفاه الله في 12 نوفمبر 2007، بعد عمليات جراحية عديدة أجريت له في مصر وبريطانيا والسعودية، منها عملية قلب مفتوح وأخرى لزراعة شرايين ساقه.
تأخر شلبي في الزواج وتكوين أسرة إلى أن بلغ الخامسة والأربعين، وذلك بسبب ارتباطه الوثيق بوالدته، الذي كان حريصاً على رعايتها وملازمتها والعناية بها. لذا اشترط أن تكون زوجته في المستقبل فتاة تراعي أمه وتسهر على راحتها. وحينما تزوج في عام 1986 من الفتاة المطلوبة أنجب منها خمسة أبناء (شيماء وعمر ودعاء وهاجر وسارة وأمينة)، تيتموا بوفاته مثلما تيتم هو في سن صغيرة بفقد والده.
وقبل حفل زفافه بأيام، بعث شلبي لكل زملائه الذين شاركوه مسرحية مدرسة المشاغبين وغيرها من أعماله السينمائية والدرامية والمسرحية (بلغ عددها نحو 120 عملاً) رسائل يعتذر لهم فيها عن عدم دعوتهم لحفل زفافه، مبرراً ذلك بعجزه المالي عن إقامة حفلة كبيرة، وتوفير الطعام لعدد كبير من المدعوين، ودفع تكاليف المطربين والراقصات والفرقة الموسيقية وما شابه.
لكنه فوجئ بزميله سعيد صالح يقود جمعاً من أصدقائهما ويقتحم قاعة الزفاف، الأمر الذي تسبب في حرج للعريس، خصوصاً وأن المائدة البسيطة المحدودة، التي أعدها للمدعوين من أسرته وأسرة العروس، كانت قد نفدت. لكن سعيد صالح ومن معه أخبروه أنهم جاؤوا فقط لتهنئته ومشاركته في ليلة العمر، وليس للأكل.