وقد عرّف ناي القوة الناعمة، بأنها ببساطة «القدرة على أن تجعل الآخرين يريدون ما تريد».
وكان على رأس مصادر القوة الناعمة، عنده، الجامعات وهيئة المعونة والثقافة الشعبية، بل وحركات الاحتجاج عبر التاريخ الأمريكي.
فالواضح من سياسات إدارة ترامب، أنها تعتبر القوة الاقتصادية أهم مصادر قوة الدولة، فتوليها الأهمية القصوى.
كما تسعى أيضاً للحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي، عبر زيادة الإنفاق العسكري. والحقيقة أن جوزيف ناي كان قد درس القوة الاقتصادية، بل وعمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد كلينتون، أي لم ينكر فكرياً ولا عملياً أهمية القوتين الاقتصادية والعسكرية. وهو ما يعطي لمفهومه عن القوة الناعمة مصداقية أكبر.
لكن الواضح أن إدارة ترامب تنظر لأهم أدوات القوة الناعمة، باعتبارها عبئاً على ميزانية الدولة، لا مصدراً من مصادر قوتها.
والقضاء على مثل تلك البرامج، هدف أيديولوجي لتيار اليمين، الذي يعتبرها تميزاً ضد البيض.
وبموجب هذا الهدف، قامت إدارة ترامب بتجميد الأموال التي تقدمها الحكومة الفيدرالية للجامعات، إلى أن تثبت تنفيذها لأوامر الإدارة.
كما قامت بتجميد الأموال الفيدرالية المخصصة للدراسات العلمية بالجامعات ومراكز البحوث، إذا ما كان لها، ولو شبهة علاقة بهذه البرامج، سواء في معايير التوظيف أو حتى في اختيار موضوعات البحث.
وسعت إدارة ترامب لعقاب الجامعات التي سمحت باحتجاجات العام الماضي، لمناصرة غزة، فضلاً عن ملاحقة الطلاب الأجانب، وهو ما تجلى مؤخراً في إعلان وزير الخارجية الأمريكي، إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين، بل وتجميد منح التأشيرات للطلاب الأجانب، لحين فحص سجلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي!
كما أن الأجانب الذين يدرسون بتلك الجامعات، وفق ناي، حتى لو اختلفوا مع السياسات الأمريكية، فإنهم ينقلون لبلادهم انبهارهم بالتعليم فيها، بل وبأسلوب الحياة الأمريكية، بحكم معيشتهم بأمريكا.
وأكد الرجل على ما وصفه «بالانفتاح الإثني للثقافة الأمريكية»، باعتباره أحد مصادر قوة بلاده الناعمة.
وأعطى ناي المثال وراء الآخر، على إعجاب غير الأمريكيين «باحتجاجات حركة الحقوق المدنية، والحركة المناهضة للانتشار النووي» وغيرهما.
وهيئة المعونة هي الهيئة ذاتها التي استهدفتها إدارة ترامب، تحت شعار خفض النفقات الفيدرالية، فطردت العاملين بها، وجمدت أموالها.
فهي لم تستهدف فقط صناعة السينما، عبر التعريفات الجمركية، وإنما أغلقت محطات الراديو والتليفزيون التي كانت موجهة لمناطق مختلفة من العالم، والتي كانت تبث، ضمن برامجها بالضرورة، الثقافة الشعبية الأمريكية.
لكن السؤال، لو فقدتها الولايات المتحدة اليوم، فما المدة التي ستستغرقها إعادة بنائها؟!