كأنها ساعة سويسرية في الإمارات

تشعر بالكثير من الدهشة المختلطة بالإعجاب وأنت تتابع أداء الحكومة في الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

من جانبي شعرت بهذا وأنا أتابع أعمال الاجتماعات السنوية للحكومة، ثم وأنا أحضر مؤتمر الإمارات الصحفي الدولي لعدد من وزراء الحكومة مع ممثلي الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، فكأن الحكومة تريد أن تقول للمواطن في الدولة وللمتابع خارجها إن هذه هي حصيلة الاجتماعات السنوية في دورتها السابعة، وإن هذا هو مسار ما كان قبل الاجتماعات وقبل المؤتمر.

بالطبع هناك اجتماعات أخرى على طول السنة، أسبوعية أو غير أسبوعية، ولكن أن يكون هناك اجتماع سنوي، وأن ينتظم لسبع دورات، وأن تكون لديه الرغبة في الانتظام في المستقبل، فهذا دليل لا تخطئه العين على أن هناك نظاماً في العمل، وعلى أن النظام يقود بطبيعته إلى أداء مختلف، ثم على أن كليهما العمل والنظام يمضيان إلى غايتهما مثل ساعة سويسرية.

أتكلم حتى الآن عن الشكل، ولم أتكلم بعد عن المضمون، ولكن الشكل يبقى جزءاً من المضمون، ولا يمكن أن يكون الشكل على هذه الصورة طول السنة، وعند ختامها في الاجتماعات السنوية، ثم يأتي المضمون على صورة أخرى مغايرة.. لا يمكن، فالأمر كما يقول أهل المنطق مقدمات تؤدي إلى نتائجها، والنتائج تظل من جنس المقدمات ومن نوعها، فهذه هي طبيعة الأشياء منذ أن كانت هناك أشياء تجري على وتيرتها.

فإذا انتقلنا إلى المضمون ظهر لنا أنه يقوم على محورين اثنين، وإلى جوارهما محاور أخرى بالضرورة، ولكن أحد المحورين هو المواطن، بينما الثاني هو جودة الحياة، وفيما بين هذين المحورين تتمدد بقية المحاور وتتنوع.

مؤتمر الإمارات الصحفي الدولي لعام 2025 بدا نوعاً فريداً من التواصل بين الحكومة والإعلام، لأن الحكومة الإماراتية لم تكن فيه متكلمة مع الإعلام فقط، ولا متحدثة إليه وحسب، لكنها كانت من خلال ستة من الوزراء والمسؤولين في الدولة قد جاءت لتسمع من الإعلام وتنصت إليه وترد على تساؤلاته، وكان هذا النهج قائماً على إيمان بأن الإعلام في عمومه ليس مجرد وسيلة تتلقى الأخبار ثم تنقلها، لكنه جسر ممتد لبناء الثقة بين الحكومة والناس.

بدا خلال المؤتمر أن الحكومة لا تعمل في فراغ، ولا تسعى في طريقها بغير أرضية تقف عليها، وإنما أمامها خمسة ثوابت للدولة الإماراتية منذ نشأتها، وهي ثوابت تحكم الحركة بطبيعتها وتظل توجه البوصلة في كل خطوة.

أما الثوابت الخمسة التي أعلنها معالي محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، فكانت كالتالي: الانفتاح، العلاقات السياسية المتوازنة، مرونة العمل الحكومي، التكنولوجيا محرك أساسي للتنمية، الإنسان محور هذه التنمية.

ولأن الانفتاح على شتى الدول هو الثابت الأول، فإن حصيلته كانت لافتة حقاً، وكان ملمحها الأهم أن نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 75.5%.

كان ذلك خلال النصف الأول من هذه السنة، ولا يتوقف الطموح في عائد هذه الأنشطة عند هذا الحد، لأن الهدف أن تصل النسبة إلى 80% عند نهاية العقد الحالي.

أتذكر أن قمة الحكومات التي تنعقد في فبراير من كل سنة في دبي قد شهدت في إحدى دوراتها حديثاً عن أن الإمارات سوف تحتفل بتصدير آخر برميل نفط بعد 50 سنة من تاريخ انعقاد تلك الدورة، وكان حديثاً كهذا إشارة إلى أن الحكومة في الإمارات تعرف تاريخ تصدير آخر برميل نفط وتتهيأ له، وقد كان الإعلان في المؤتمر الصحفي الدولي عن نسبة مساهمة الأنشطة الاقتصادية غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي علامة على أن الاستعداد للاحتفال إياه بعد نصف قرن قد بدأ، وأن هذه النسبة المتحققة هي الدليل على أنه بدأ، ثم قطع خطوات واسعة على طول الطريق.

لم تكن الحكومة لتعلن هذه الحقيقة في قمة الحكومات إلا لأنها تدرك أن النفط بطبيعته ثروة ناضبة، وأن هناك إلى جواره ثروات طبيعية أخرى غير ناضبة، وأن على الحكومات في بلاد النفط أن تعمل عليها منذ وقت مبكر، حتى إذا نضب النفط بعد 50 سنة أو أكثر أو أقل، وجدت نفسها جاهزة ومتهيئة، وهذا ما جعل الحكومة في الإمارات تشتغل في هذا الاتجاه، وهذا أيضاً ما جعل نسبة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى ما هو مشار إليه، وهذا كذلك هو ما جعل شركة مايكروسوفت تنشر أن الإمارات تأتي في المركز الأول عالمياً في تبني الذكاء الاصطناعي في مواقع العمل.

بدا مؤتمر الإمارات الصحفي الدولي من حيث فكرته وكأنه جردة لما كان في سنة انقضت، واستعداد لسنة أخرى مقبلة، وشهادة على أن ما كان في عام مضى سيحمل الإمارات إلى ما سوف يكون.