أغرب عقد سينمائي

تشمل قائمة الأفلام التي مثلها الموسيقار محمد عبدالوهاب كبطل، سبعة أفلام، ما بين عامي 1932 و1946، جميعها من إخراج صديقه المخرج محمد كريم (1896 ــ 1972). وكان من عادة عبدالوهاب وكريم أن يقدما في كل فيلم نجمة جديدة في دور البطلة.

ففي فيلم عبدالوهاب الأول «الوردة البيضاء» سنة 1932، وقفت أمامه الممثلة «سميرة الخلوصي»، وفي فيلمه الثاني «دموع الحب» سنة 1935، كانت البطلة هي المطربة نجاة علي، وفي الفيلم الثالث «يحيا الحب» سنة 1938، اختيرت ليلى مراد لتكون بطلة للفيلم.

وفي الفيلم الرابع «يوم سعيد» سنة 1940، كانت بطلة العمل هي الممثلة سميحة سميح، وفي الفيلم الخامس «ممنوع الحب» سنة 1942، وقف عبدالوهاب أمام المطربة رجاء عبده، وفي الفيلم السادس «رصاصة في القلب»، وقف أمام راقية إبراهيم، وفي فيلمه الأخير «لست ملاكاً» سنة 1946، مثل عبد الوهاب أمام النجمة ليلى فوزي.

يقول عبدالوهاب في مذكراته، التي نشرتها مجلة «الكواكب» المصرية، متسائلاً: «ما فعلته في أفلامي الأولى كلها، هو أنني كنت أقدم بطلة جديدة في كل فيلم، وإني لأتساءل الآن:

أيهما أجدى على الفن، أن نقدم في أفلامنا وجوهاً جديدة نغذي بها السينما بدم جديد، أم أن نستخدم الوجوه القديمة المتمرنة المعروفة للجمهور؟». ويضيف: «ثم فكرنا في مسألة أخرى، هل تكون البطلة ممثلة فقط، كبطلة فيلم الوردة البيضاء، أم تكون مطربة؟».

هنا برز رأيان، أحدهما هو أن البطلة المغنية ستجذب اهتمام المتفرج على حساب البطل المطرب، الذي يجب أن يركز عليه المشاهد، والرأي الثاني هو أن البطلة المغنية تتيح فرصة إدخال الديالوج الغنائي إلى السينما. وفي النهاية، تمّ اعتماد الرأي الثاني، وكان القرار باختيار المطربة نجاة علي لتكون بطلة لفيلم «دموع الحب».

وكانت نجاة علي، المولودة في فارسكود بمحافظ الدقهلية سنة 1913، والمتوفاة في القاهرة في عام 1993، قد خطت في تلك الفترة خطواتها الأولى في عالم الغناء، وغنت في حفل على مسرح الأزبكية في عام 1929.

واشتركت في حفل افتتاح الإذاعة المصرية سنة 1934، مع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ما جعلها معروفة، علماً بأن الذي اكتشفها وأحضرها من الأرياف، بعد وفاة والدها، هو الشاعر الغنائي حسين حلمي المانسترلي، الذي قدمها للموسيقار داوود حسني، كي تتعلم الغناء على يده.

الغريب أنه حينما تمت كتابة عقد هذا الفيلم في سنة 1935، بين نجاة علي من جهة وعبدالوهاب والمخرج محمد كريم من جهة أخرى، تضمّن العقد شرطاً جزائياً غريباً وغير مسبوق، أصر عليه المخرج كريم، الذي كان معروفاً عنه كراهيته للبدانة، إذ اشترط كريم على نجاة أنه إذا زاد وزنها أثناء التصوير لأي سبب، فسوف يخصم من أجرها عشرة جنيهات نظير كل كيلوغرام زائد (كانت الجنيهات العشرة وقتذاك، تعادل مبلغاً كبيراً).

وطبقاً لعبدالوهاب، فإن طاقم العمل سافر إلى باريس، كما جرت العادة آنذاك، لتصوير المشاهد الداخلية، وتسجيل الصوت في الاستوديوهات الفرنسية.

وهناك راح المخرج كريم يفرض قيوداً مشددة على نجاة علي، كي تحافظ على وزنها، ومنها أن تقتصر وجباتها على اللحم المشوي والسلطة وخبز «التوست» والقهوة المُرة. يقول عبدالوهاب: «بينما كنت في فراشي بالفندق في صبيحة أحد الأيام، سمعت ضجة وصياحاً، ثم رأيت كريم يجر نجاة من يدها، وهو يصيح معلناً أنه ضبطها متلبسة بالتهام قطعة من (الجاتوه)».

وتبيّن من التحريات التي أجراها كريم، أن نجاة كلما استبد بها الجوع، كانت تتسلل إلى محل حلواني يقع أسفل الفندق، وتشتري ما لذ وطاب من أصناف الحلوى والشوكولاته الفرنسية، لتلتهمها في غفلة من الجميع، إلى أن وقعت في مصيدة المخرج.