أين دراهم الوقاية؟

قديماً قالوا «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، واليوم، مع تشابك المجتمعات وتداخلها، وتزايد حرية انتقال البشر، أصبح من اليسير انتقال الأمراض بين المجتمعات، وأصبحت الأمراض الموسمية أكثر تكراراً مع تغير الفصول.

وهنا يثور السؤال، لماذا أصبح الإنسان أكثر عرضة للمرض؟ ولماذا صارت مناعة البشر ضعيفة أمام الفيروسات؟ هل السبب الوحيد هو كثرة الانتقال البشري؟ أم أن ذلك يعود لأسباب أخرى تتعلق بازدياد الرفاهية، والاسترخاء الجسدي، والاعتماد على الأغذية المصنعة، رغم ارتفاع مستويات المعيشة، والذي كان من المفترض أن يجعل الإنسان أكثر صحة وأكثر مقاومة للمرض.

والحقيقة، مع كل هذا التقدم والرفاهية، أصبح الإنسان أكثر ضعفاً أمام الفيروسات المتنقلة بين المجتمعات، ولعل السبب يعود بالأساس إلى ضعف المناعة، أو ضعف المقاومة عند الإنسان، وهذا الضعف يعود إلى أسباب كثيرة، منها نمط الحياة الذي تقل فيه الحركة والنشاط، حيث يعيش الإنسان في بيئات مصطنعة معظم الوقت، ويزهد في الأنشطة الرياضية، التي كانت في السابق جزءاً من البرنامج اليومي، ومن السلوك الحياتي.

إن تزايد أمراض نمط الحياة، مثل السمنة والسكري وضغط الدم، وباقي هذه الأمراض، يعود بالأساس إلى نمط الحياة المسترخي والمترف، وبالتالي، فإن معظم تعرض الإنسان للأمراض الموسمية، يعود بالأساس إلى ضعف المناعة عند الإنسان، وضعف المناعة أساسه قلة النشاط من جانب، والتغذية على الأطعمة غير الطبيعية، والمصنعة من جانب آخر، فنحن في هذا العصر نحتاج تغيير أنماط الحياة، حتى نضمن أن يكون أولادنا أكثر صحة، وأكثر مقاومة للأمراض، خصوصاً مع احتمالية تزايد التداخل البشري، والانتقال بين مختلف مجتمعات الأرض، في هذه الحالة، لن يكون الحل هو الانعزال، ولا العودة إلى الحياة البدائية، وإنما يكون الحل الحقيقي في تقوية المناعة، ولعل أنماط الحياة التي نشاهدها عند مجتمعات أخرى، خصوصاً في شرق آسيا، تبين لنا أن تقوية المناعة أمر يسير جداً، جوهره التنفس في الأجواء المفتوحة الطبيعية، والحركة والنشاط بصورة بسيطة يسيرة، لا يحتاج إلى جهد جهيد، ولا إلى رياضة قاسية وعنيفة، بقدر ما تحتاج إلى كثير من الحركة، وقليل من الطعام، وحالة نفسية مستريحة، بعيدة عن التوتر والأزمات والمشاكل، لأن من أكثر أسباب ضعف المناعة عند الإنسان، الضغوط النفسية والعصبية.

ما نحتاجه لتقوية المناعة، أن نتعلم من المجتمعات الأخرى كيف نجحوا في أن يحافظوا على مناعة أجسادهم القوية، وتغيير أنماط حياتهم، ونحتاج أن ننشر هذه الثقافة الصحية، لتكون مكوناً رئيساً في الثقافة العامة للمجتمع، للحفاظ على ثروتنا البشرية، التي هي أعظم ما نملك.