المنطقة العربية في عالم متغير

هل نحن في المنطقة العربية بصدد عالم متغير، أم تغير بالفعل، أم في طريقه للتغيير؟ هذا السؤال طرحته خلال مشاركتي في جلسة مهمة في اليوم الثاني من قمة الإعلام العربي السنوية في دبي الأسبوع الماضي، وشارك فيها نحو 8000 شخص من 26 دولة، وتحدث فيها 300 شخص في 175 جلسة، و35 ورشة عمل عبر شركات ومؤسسات ومنصات إعلامية دولية.

الجلسة التي حضرتها كان عنوانها «المنطقة العربية في عالم متغير»، وشارك فيها الكاتب الكويتي المعروف، محمد الرميحي، والنائبة والكاتبة اللبنانية، بولا يعقوبيان، وأدارها الإعلامي يوسف الشريف من قناة «سكاي نيوز عربية».

لن أتطرق كثيراً لما جاء في الندوة، فقد تم نشره بالفعل في «البيان»، وفي العديد من الصحف والمواقع والمنصات، التي تابعت باهتمام تغطية هذه القمة الإعلامية، التي صارت أهم حدث إعلامي عربي يجمع أغلبية الفاعلين في المشهد الإعلامي العربي، بل ويحتك ويتفاعل مع كل ما هو جديد إعلامياً في العالم.

أعود مرة أخرى إلى الجلسة لأسجل مجموعة من الملاحظات الأساسية. أولاً: المنطقة العربية تمر ربما بواحدة من أخطر الفترات منذ أكثر من 100 عام حينما عانت المنطقة من اتفاقيات سايكس بيكو وسط الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918، والتي انتهت بتقسيم المشرق العربي بين القوى الاستعمارية، خصوصاً بريطانيا وفرنسا، وشهدت وعد بلفور الإنجليزي بإنشاء وطن قومى لليهود في فلسطين العربية. وكان بداية المأساة الفعلية التي لا نزال نعاني منها حتى الآن، والتي قادت إلى النكبة عام 1948.

ثانياً: أن عدداً من الدول العربية تمكنت من الحفاظ على استقرارها مثل مصر والمغرب وتونس، ودول أخرى حافظت على استقرارها وحققت تقدماً مثل دول الخليج، في حين أن عدداً كبيراً من البلدان العربية دخل في صراعات وحروب أهلية وطائفية وعرقية، وتبين أن بعض هذه الدول شديد الهشاشة، بحيث أنه غير قادر حتى على تحقيق السلم في بلده وبين أهله وناسه، فكيف يمكن له الحفاظ على الوحدة الوطنية، بل إن المأساة أن الصراع فيه عاد إلى منطق الهويات الأولية.

بعض هذه البلدان تم حكمها بالحديد والنار، وحينما سقطت هذه الأنظمة تبين أن مقومات الدولة نفسها غير موجودة وهكذا فوجئنا بالميليشيات والمرتزقة والقتل على الهوية، بل إن استقلال بعض هذه الدول مهدد، وربما وجودها نفسه لم يعد مضموناً.

إذا كانت هذه هي المعطيات فكيف يتحدث البعض عن الوحدة العربية الكبرى؟! أي عربي يتمني تحقيق الوحدة العربية أو حتى التكامل، لكن من المهم أن ندرس ونحلل الواقع، وبالتالي إذا تمكنا الآن من تحقيق التنسيق فسيكون ذلك أمراً مهماً.

ثالثاً: هناك دول عربية نجحت في التحاور والاشتباك مع المستقبل، وأخرى لا تزال غارقة في ظلمات الماضي السحيق أو القريب. وأظن أنه يستحيل الحديث عن أي تقدم ما لم تتتمكن الحكومات والنخب من الوصول للشباب العربي ومحاورته، وفهم ما يريد، ولن يتأتى ذلك إلا عبر قواعد أساسية، أهمها النهوض بالتعليم، والحوكمة ووجود مؤسسات ووسائل إعلامية متطورة ليس فقط تكنولوجيا، ولكن في المحتوى الجيد والجذاب.

رابعاً: من سوء حظ بعض الدول العربية أنه في اللحظة التي تعرضت فيها للانقسامات فقد انقضت عليها إسرائيل، التي كشفت عن أن مشاريعها التوسعية مستمرة حتى الآن، وتريد السيطرة ليس فقط على كامل فلسطين، بل على أي أرض عربية تستطيع الوصول إليها.

خامساً: وارتباطاً بالعامل السابق فإن هناك مؤشرات واضحة على أننا بصدد نظام دولي جديد، لا يعتمد فقط على قطب واحد هو الولايات المتحدة، بل نشهد صعوداً صينياً واضحاً، وأدواراً فاعلة كذلك لروسيا والهند، وحديث أوروبي عن ضرورة الاعتماد على النفس، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الاتحاد الأوروبي يضر بالاقتصاد الأمريكي.

سادساً: هذا النظام الدولي ستكون له تداعيات كثيرة، أهمها غياب اليقين حتى تظهر ملامحه، وربما صراعات قد تقود لحروب أوسع نطاقاً، والأهم تأثيرات اقتصادية سوف تتسبب إذا حدثت في مزيد من التضخم، وربما الركود لدول كثيرة، بما قد يقود إلى المزيد من الصراعات. تلك مؤشرات مبدئية سريعة عن منطقتنا التي تتغير بالفعل، وربما يستمر التغير أكثر وأكثر، ونتمنى وجود أكبر قدر من التنسيق العربي دفاعاً عن المصالح العربية المشتركة.