قد يرى البعض بأن العزلة مؤشر سلبي على الصحة النفسية بحكم أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، كما وصفه ابن خلدون في مقدمته، ولكن هناك نوع آخر من العزلة والتي تسمح للإنسان للاتصال بذاته والاستمتاع بالهدوء والابتعاد عن المشتتات.
من هنا تنشأ قيمة العزلة الاجتماعية الإيجابية، فهي صورة من صور الخلوة مع الذات، لمراجعة الكثير من القرارات وإعادة ترتيب الأولويات، وشحن النفس بالطاقة الإيجابية للتفاعل مع الحياة والآخرين بشكل متزن.
من الأشياء التي لا أتردد بأخذ قرار فيها هو الخروج في نزهه أو في سفر بغرض العزلة الاجتماعية. بالإضافة إلى المميزات السابقة، فإن تطبيق العزلة بشكل دوري وصحيح، يعد فرصة للاسترخاء والنمو الشخصي ومصدراً للوعي الذاتي والالهام.
من الأشياء التي أحرص على ممارستها في عزلتي الاجتماعية الإيجابية في سفري على سبيل المثال، بجانب استكشاف الأماكن الجديدة أو التعرف على أشخاص جدد، الجلوس في صمت للتأمل أو قراءة كتاب أو الاستمتاع إلى مدونة صوتية أو كتابة مقال. العزلة الاجتماعية الإيجابية فرصة عظيمة للارتحال الداخلي ولغربلة القناعات والسلوكيات التي نود الاستمرار عليها أو التخلص منها أو البدء فيها.
لاحظت في حواري مع بعض الأصدقاء أن كثيرين يجدون صعوبة في الجلوس لوحدهم، وقد يكون هذا مؤشراً لا يمكن الاستهانة به في عدم قدرة الفرد على مواجهة ذاته والأوجه المتعددة لشخصيته والخوف من معرفة ذاته الحقيقية. بلا شك أن مواجهة النفس تحتاج إلى شجاعة وقد يتطلب الأمر عمراً بأكمله لخوض هذه التجربة.
يذكر الدكتور يوسف الحسني في كتابه «عقدك النفسية سجنك الأبدي» أن مواجهة الذات تحتاج إلى استعداد وشجاعة، وأن تسمح لنفسك أن ترى الأشياء بشكل مختلف. ماذا لو أدركنا بأن العزلة الاجتماعية الإيجابية تعد مطلباً أساسياً وليست رفاهية في وقتنا الحالي بسبب الاكتظاظ والضوضاء المحيطة بنا؟ ماذا لو كنا على استعداد أثناء عزلتنا الاجتماعية الإيجابية لمراجعة الكثير من المسلمات التي شكلت ما نحن عليه اليوم؟