الجامعات ليست محصورة في تقديم البرامج الأكاديمة ومنح الشهادات العليا بعيداً عن المجتمع وقضاياه، بل هي مراكز ومنصات لصناعة وتشكيل الوعي المجتمعي، وتحصين المجتمع بالفكر السليم والثقافة المفيدة.
كما أنها جبهات متقدمة في الدفاع عن القيم المجتمعية والثوابت الوطنية، ويزداد دور الجامعات وأهميتها يومياً، ذلك من أجل تحصين المجتمعات فكرياً، ومواجهة وتفكيك الخطابات المتطرفة التي تسعى لاختراق وإفساد العقول تحت شعارات دينية مضللة أو فكرية منحرفة.
ندوة «تنظيم الإخوان المسلمين.. خطاب التطرف والتضليل»، التي نظمتها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في 27 مايو الجاري، تجسد هذا الدور الحيوي والمحوري.
حيث قدمت الجامعة نموذجاً يجب الاقتداء به من حيث تحويل الفضاء الأكاديمي إلى منصة لمواجهة الفكر المنحرف عبر أدوات ومعايير التحليل العلمي والتفكيك المعرفي.
يفترض بالجامعات أن تكون قريبة من المجتمع وقضاياه، بل يجب أن تكون شريكة في تعزيز القيم المجتمعية وترسيخ الهوية الوطنية، وبناء الحصانة الفكرية للأفراد، والمساهمة في صياغة الخطاب المعتدل، ومن هذا المنطلق، جاءت الندوة لتؤكد أن مواجهة الجماعات المتطرفة.
وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الأمنية والقانونية فقط، بل تتطلب خطاباً علمياً رصيناً بحيث يفكك خطابات التطرف ويكشف حقيقتها وغاياتها، ويعيد بناء المفاهيم المغلوطة التي يستثمرها ويستغلها الخطاب الإخواني المتطرف.
لقد نجحت الندوة في تقديم قراءة أكاديمية معمقة لأفكار وأيديولوجية التنظيم، لا بوصفه ظاهرة سياسية فقط، بل كمشروع أيديولوجي يقوم على تحريف المفاهيم الدينية، واستغلال العاطفة الدينية لتحقيق غايات سياسية تتجاوز حدود الدولة الوطنية بل ويهددها.
من بين النقاط التي ركزت عليها الندوة العلمية، أن الإسلام في جوهره ليس مشروع حكم أو منظومة حزبية، بل دين جاء لتكريم الإنسان ونشر قيم المحبة والرحمة والتعايش.
وفي هذا السياق، فإن جماعة «الإخوان» لا تمثل الإسلام، بل تمثل تحويراً سياسياً له، يخرجه من أصوله الدينية والروحية إلى ساحات الصراع السياسي، من أجل تحقيق أهداف الحزب والجماعة، وغايتهم تبرر وسيلتهم مهما كانت غير أخلاقية أو حتى منافية للدين وأحكامه. الخطورة في الطرح الإخواني لا تكمن في المفردات والمفاهيم المستخدمة فقط، بل في الأيديولوجية الكامنة خلفها.
فشعار الحاكمية الذي تتبناه الجماعة، ليس سوى غطاء لمشروع سياسي شمولي لا يعترف بالتعدد، ولا يقبل بالمواطنة، ويُقصي كل من لا ينتمي للتنظيم، بل يخرج كل من لا ينتمي له من الدين.
في فكر جماعة «الإخوان المسلمين»، الدولة الوطنية كانت وما زالت إحدى أهم العقبات أمام مشروع الجماعة، فالإخوان منذ نشأتهم، سعوا لتجاوز وضرب مفهوم الدولة الوطنية، واستبدلوه بفكرة دولة الأمة التي تخضع لسلطة عقائدية عابرة للحدود، لا تعترف بشرعية الحكام والحكومات، وتجيز الفوضى والانقلابات وسفك الدماء في سبيل مصلحة حزبهم.
الباحث والمطلع على أدبيات وتصريحات وكتابات مفكري وأعضاء تنظيم «الإخوان» يجدها تتبع استراتيجية ونهجاً وتكتيكاً قائماً على خطاب المظلومية لكسب التعاطف وتجنب المواجهة المباشرة مع الأجهزة الحكومية القوية الواعية لتحركاتهم الخبيثة، وفي الجانب الآخر، تستمر في العمل تحت الأرض عبر أنفاق الظلال وفق استراتيجيات تخريبية هدفها التخريب والهدم والدمار.
ما قامت به جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي من خلال هذه الندوة هو أكثر من مجرد تحليل أكاديمي رزين وعميق، إنه إعلان عن جبهة فكرية لمواجهة خطاب التضليل، وبناء وعي نقدي قادر على التمييز بين الدين الحقيقي الصحيح السليم والدين المؤدلج.
وبين المشروع الوطني والمشروع التنظيمي، وبين الخطابات الدينية المعتمدة على الفهم الصحيح للدين والخطابات المغلفة بالمظلومية المصطنعة وأفكار دينية مؤدلجة بعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح لقيم ومبادئ الإسلام. من خلال تنظيم الجامعات للمؤتمرات والندوات العلمية المرتبطة والمتعلقة بالمجتمعات وأفكارها وقضاياها، تصبح بذلك مراكز للفكر الوطني، ومصانع لإنتاج الحصانة الفكرية، كما أنها تسهم في صياغة مستقبل مستقر فكرياً وأمنياً، ومن خلال الجامعات والمدارس تحصن الدولة أبناءها وتحميهم، بالفكر والمعرفة والوعي.