الإعلام هو السلطة الرابعة في المجتمع الحديث، ويضطلع بدور فائق الأهمية في صناعة الوعي وترسيخ الرؤية لدى الإنسان المعاصر، ويوجّه بذكاء مدروس الروح الإنسانية نحو مسارات مرتبط بالسياسة في أغلب الأحيان بحيث يمكن أن يقال وبكل ثقة:
إن الوعي الإنساني في العصر الحديث هو صناعة إعلامية ينبني عليها تشكيل مواقف الدول، وتوجيه دفّة الحياة، وتشويه بعض الحقائق، والانحراف بالوعي نحو جهات محددة قد تكون في جوهرها العميق ليست في صالح الإنسانية في نهاية المطاف.
ولذلك كانت المؤسسة الإعلامية في جميع الدول الذكية هي الجيش الذي يقبع في الظل لتشكيل الحياة، وبناء الرؤية التي تنسجم مع الخطط الكبرى للدول التي تمنح الإعلام أهميته الحقيقية وتعوّل عليه في تنفيذ مخططاتها، وتمرير برامجها على جميع الصعد والاتجاهات.
تأسيساً على هذه الأهمية الكبيرة لسلاح الإعلام تولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً خاصاً بتطوير الوعي الإعلامي وصناعة الشخصية الإعلامية القادرة على ممارسة دورها بكل كفاءة وإيجابية وثقافة متبصرة بالدور العميق للإعلام في صناعة الموقف وصياغة شكل الحياة.
وفي هذا السياق من الاهتمام الجاد احتضنت مدينة دبي في مركز دبي التجاري العالمي أكبر تجمّع للإعلاميين العرب في الفترة من 26 إلى 28 من هذا الشهر ضمن قمة الإعلام العربي في دورته الثالثة والعشرين.
حيث شارك نحو ثمانية آلاف مشارك من قادة الإعلام والرأي في العالم العربي، حيث يضمّ هذا العدد الكبير نخبة الشخصيات وكبار المختصّين بشؤون الإعلام والتحرير والسياسة الإعلامية وصُنّاع المحتوى المؤثر وخبراء التقنية الإعلامية فضلاً عن العدد الكبير من الأكاديميين من مختلف البلدان العربية من أجل تطوير الصناعة الإعلامية وترشيد مسيرتها نحو مزيد من العمق والإحساس بالمسؤولية المهنية خلال المرحلة المقبلة من تاريخ الأمة العربية.
وتنويهاً بهذا الحدث الإعلامي الكبير نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تغريدة على حسابه عبر منصة «إكس» ركّز فيها على الأهمية الاستثنائية لهذه التظاهرة الإعلامية الكبرى التي تحتضنها دبي كمدينة إعلامية مبدعة لها خبرة طويلة في الصناعة الإعلامية واستراتيجيات تطويرها، إدراكًا منها لخطورة الإعلام الإيجابية أو السلبية حين تنحرف بوصلة الإعلام عن الأهداف الكبرى للأمة.
«سُعدنا باستضافة 8000 إعلامي عربي في دولة الإمارات ضمن قمة الإعلام العربي في دورتها الثالثة والعشرين» بهذه الحفاوة القلبية الكريمة يرحب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بهذه الأعداد الكبيرة جدًّا من الإعلاميين العرب الذين سعدت مدينة دبي باستقبالهم في قمّة الإعلام العربي في هذه الدورة المتميّزة التي شهدت هذا الحضور الكثيف في سياق ظروف بالغة التعقيد تمرّ بها المنطقة العربية، وتتحمّل فيها الصناعة الإعلامية دورًا لا يُستهان به في صناعة الوعي وترشيد الرؤية للحياة.
«نجدّد دائماً دعوتنا لإعلام عربي تنموي، يبني ولا يهدم، يوحّد ولا يفرّق، يصنع الأمل لا اليأس» في هذا الجزء من التغريدة يُفصح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن جوهر رؤيته للإعلام العربي الذي يريد له أن يكون عربي الهوية، يهتمّ بالقضايا العربيّة ومشكلات الإنسان العربي، وأن تكون مسيرته تنموية تُراكِمُ على الإنجازات والخبرات، وتضع نصب عينيها مطلب التنمية البشرية كهدف استراتيجي لا تتنازل عنه مهما كانت الظروف.
وينطلق بخطى ثابتة نحو تحقيق أكبر الأهداف التي تتمثّل في البناء المتين مقابل الهدم الذي يخرّب الأوطان ويمزّق شمل الإنسان، ويعمل على بثّ روح الوحدة بين أبناء الأمة الواحدة بدلاً من السعي في تشتيت مسيرتها وتبديد جهودها نحو صناعة مستقبل مُشرق لأجيالها، وهو سعي يحرص على زراعة أشجار الأمل في حديقة الوطن العربي بدلاً من اليأس والخراب الذي استنزف كثيرًا من المقدّرات التي خسرتها الأمة العربية في مسيرتها نحو تحقيق ذاتها الحضارية.
«إعلامٌ يحارب الجهل والتخلّف والمرض الفكري والثقافي، ويصنع مستقبلاً أجمل لأجيالٍ عربية شابة تمتلك الثقة بنفسها لتصنع نهضتها ومستقبلها» وبهذه الكلمات الرائعة يستشرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الآفاق الواعدة للإعلام العربي الذي يجب عليه أن يقف في وجه الجهل والتخلّف بنشر ثقافة المعرفة، ويشفي النفوس من داء الجهل الفكريّ بنشر أدوات التفكير الصحيح .
وذلك من أجل صنع مستقبل عربي يليق بالشباب العربي الباحث عن هويته، المتسلّح بالثقة لصناعة مستقبل يليق بالإنسان العربي وموقعه الفاعل داخل الحضارة الحديثة.
وكان سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، رئيس مجلس دبي للإعلام، قد أكد على الأهمية الكبرى لقمة الإعلام العربي في دورتها الثالثة والعشرين، وأنّها تمثّل محطة استراتيجية جديدة في إطار الرؤية المتكاملة التي تقودها دبي والرامية إلى ترسيخ أسس إعلام عربي قادر على التفاعل مع متغيرات العصر، ومؤهّل لصناعة محتوى مؤثر يسهم في التعبير عن واقع المنطقة العربية وتطلعاتها المستقبلية.