من الحكايات الفنية، التي تروى، والتي أكدتها صحيفة «اليوم السابع» القاهرية، حكاية حدثت في عام 1942، وكان بطلاها هما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وعميد المسرح العربي يوسف بك وهبي.
ففي تلك السنة دعت إحدى الشركات السينمائية نجوم الفن والتمثيل والمخرجين والمنتجين، وكل من له علاقة بصناعة السينما في مصر إلى عقد اجتماع عام، لمناقشة أزمة الفيلم الخام، التي كانت تمثل وقتذاك مشكلة، بسبب ظروف الحرب العالمية، وصعوبة استيراد تلك السلعة من الخارج.
وبالفعل انعقد الاجتماع في الموعد المحدد بمقر نقابة الممثلين بالقاهرة، وترأسه عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي (1898 ــ 1982)، الذي طلب قبل مناقشة موضوع الاجتماع الالتزام باللائحة المعلقة خارج القاعة، والتي كانت تدعو المشاركات إلى عدم اصطحاب أطفالهن إلى داخل قاعة الاجتماع، وتركهم في غرفة الانتظار.
وكانت عين وهبي، وهو يصدر تلك الأوامر، مصوبة نحو طفلة لم تكن وقتها قد تجاوزت العاشرة من عمرها، بمعنى أنه كان يقصدها، ويستفسر عمن اصطحبها إلى الاجتماع، وحينما طال انتظاره دون أن تخرج الطفلة من القاعة قال بنبرة حادة: «بنت مين دي؟»، ثم أردف سؤاله بقوله: «أرجو من الزميلات إخراج أولادهن الصغار خارج الاجتماع كي نبدأ النقاش».
لم تكن الطفلة التي أزعج وجودها الفنان الكبير يوسف وهبي سوى فاتن أحمد حمامة (1931 ــ 2015)، التي كانت قد دخلت مجال التمثيل قبل ذلك التاريخ بسنتين، أي حينما كانت في التاسعة، محققة شهرة مدوية على أثر أدائها الجميل لدور الطفلة أنيسة في فيلم «يوم سعيد» من تأليف وإخراج محمد كريم في سنة 1940م.
وبطبيعة الحال كان وهبي قد شاهد الفيلم، وعرف الطفلة الموهوبة التي ظهرت فيه وسط احتفاء الجمهور والصحافة بها، لكنه لم يكن يتوقع حضورها ذلك الاجتماع المهم إلى جانب كبار المنشغلين والمشتغلين بصناعة الفيلم المصري، كما أنه لم يتعرف عليها، لأن شكلها وقوامها كانا قد تغيرا بعد بلوغها سن الحادية عشرة.
ولهذا رد الحضور على وهبي قائلين: «فين الأطفال يا أستاذ يوسف.. دي مش طفلة.. دي الممثلة فاتن حمامة»، فضجت القاعة بالضحكات المقرونة بالتصفيق، ما جعل فاتن تتأثر وتمتلئ مقلتاها بالدموع. شعر وهبي بالإحراج، وانتظر حتى نهاية الاجتماع، ليتقدم نحو فاتن ويعتذر لها.
ولم يكتف الرجل ساعتئذ بالاعتراف، بل أرفقه بدعوتها للظهور معه في فيلم كان يستعد لإخراجه، وهو فيلم «ملائكة الرحمة» من تمثيله مع راقية إبراهيم وسراج منير وبشارة واكيم، وزوز شكيب، ونجمة إبراهيم وفاخر فاخر ومحمد عطية.
والمعروف أنه بعد هذه الواقعة مثّل يوسف وهبي معها سبعة أفلام، خمسة منها من إخراجه، وهي على التوالي: «ملائكة الرحمة» عام 1946، «القناع الأحمر» عام 1947، «بيومي أفندي» و«كرسي الاعتراف» في عام 1949، «المهرج الكبير»عام 1952 (إخراج يوسف شاهين).
«بنت الهوى» عام 1953، وأخيراً فيلم «الحب الكبير» عام 1969 (إخراج هنري بركات)، ولعب فيه وهبي دور «إبراهيم» المصور الفوتوغرافي، وأدت فيه فاتن دور ابنته «حنان» منسقة فاترينات المحلات التجارية في بيروت.