كما يأتي تجسيداً لصدق الاهتمام باللغة العربية وترسيخ أهميتها في الوعي العربي، ورفع مكانتها بين اللغات في عصر يسجل انتصارات متوالية لكثير من اللغات العالمية على حساب اللغة العربية التي عانت منذ قرون عدة من إقصاء مقصود وتهميش لدورها الفاعل في بناء الوعي وتشكيل الذات العربية التي تجمع على نحو فريد بين الأصالة والمعاصرة لتواصل دورها الريادي في صنع الحضارة والوقوف على قدم الثقة بين جميع الأمم والشعوب.
فكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو صاحب القدح المُعلى والسهم الرابح في هذا الشأن بإطلاقه هذه المبادرة التي نضرت وجه اللغة العربية، ودفعت بالملايين من شبابها وشاباتها للانخراط ببسالة منقطعة النظير في هذا التحدي الكبير حين استجابوا لهذه الدعوة الميمونة، وهبوا مثل نفير الحجيج تلبية لنداء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يعطيهم من قلبه.
ويرى فيهم قرة عين للأمة ورهاناً على مستقبلها، فأصبح هذا المشروع من مفاخر دولة الإمارات، ومن محاسن ما نقشه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في صفحات دفتر الخلود والعطاء لهذه الأمة التي ينتمي إليها بقلبه وعقله، ويسعى جاهداً في سبيل استعادة مكانتها اللائقة بها بين الأمم والشعوب.
وفي هذه الكلمة الثمينة إدراك عميق من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأن فعل القراءة ليس نشاطاً لقتل الفراغ، ولا مجرد هواية يمارسها الشباب العربي للتفاخر والتباهي بكثرة المقروء، بل هو فعل ينبع من رؤية عميقة ترى في القراءة وسيلة لتشكيل الوعي بالذات الحضارية، وتستعيد الموقع الريادي للأمة العربية الذي حققته حين استجابت بكل طاقتها لنداء رب العالمين:
[اقرأ باسم ربك]، لينطلق فرسانها الشجعان على صهوات خيولهم المضمرة من قلب جزيرة العرب وهم يحملون في أيديهم مشاعل النور ومصابيح الهداية وسيوف الحق، ليسهموا في تشييد واحدة من أعظم الحضارات الإنسانية التي تهتم بالعلم والمعرفة وتشييد المدارس والمكتبات ابتداء من حواضر الحرمين.
فالبصرة والكوفة، ثم دمشق وبغداد والقاهرة، وصولاً إلى قرطبة وغرناطة في الغرب البعيد، وبخارى وسمرقند في الشرق الأقصى، لتكون هذه المعالم شاهد صدق على الاهتمام الكبير الذي أولته الحضارة العربية الإسلامية للعلم وتكريم منزلة العلماء.
«لدي شغف بأحد مشاريعنا التي أطلقناها قبل عدة سنوات، تحدي القراءة العربي، الذي يشارك فيه ملايين الأطفال سنوياً، ويهدف أن يقرأ كل طالب خمسين كتاباً خلال عامه الأكاديمي»، ثم يعلل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد سر الشغف بهذا المشروع قائلاً: «وشغفي بهذا المشروع لأني مؤمن بتأثيره الإيجابي طويل المدى على أجيالنا، وقدراتهم العقلية والمعرفية، وهو سلاح الوعي الذي يتحصنون به».
فقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يستشرف الآفاق البعيدة لهذا المشروع النادر الذي يستنقذ الأجيال من آفة الوقت المهدور، ويوقظ فيهم الإحساس الصادق بالمسؤولية تجاه لغتهم، لتكون مبادرته العظيمة واحدة من أجمل الهدايا التي يقدمها سياسي كبير لهذه الأجيال الغضة الخضراء التي تنتظر مثل هذه اليد الحانية وهذا القلب الكبير.
حيث يقوم الطالب بقراءة 50 كتاباً في عامه الأكاديمي الذي يبدأ عادة من شهر سبتمبر من كل عام حتى نهاية شهر مارس من العام التالي بتقسيم مرحلة التحدي إلى 5 مراحل يقوم فيها القارئ بتلخيص 10 كتب في كل مرحلة، لتبدأ بعدها رحلة التصفيات ضمن تعليمات وخطوات مدروسة تضمن تنفيذ رؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على أكمل الوجوه وأفضل النتائج.
«القراءة ليست ترفاً، وليست رفاهية ثقافية، وليست نشاطاً لا صفياً يحضره من يرغب من الطلاب»، ليؤكد بنبرة جازمة حاسمة أن «القراءة هي الحصن الذي يحمي العقل من تآكل قدراته الذهنية وتدهوره المعرفي، وتراجع تركيزه وإبداعه بسبب تغير البيئة التقنية التي يعيش فيها العالم».
هذا هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، راعي منارات العلم في هذا البلد الطيب وفي جميع أصقاع العروبة، وهذه هي رؤيته للأجيال القادمة التي تسكن سويداء قلبه، ويفكر في مستقبلها ليل نهار، ويراهن عليها ويعلم أنه سيظل ساكناً في قلوبها بسبب ما أسدى إليها من فرص وأتاح لها من مجالات، أطال الله في عمره، وأبقاه ذخراً لهذا الوطن ولأهل العروبة والإسلام.