بعد مؤتمر شرم الشيخ، تنفس العالم الصعداء. فقد وضع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحصان أمام عربة السلام، من خلال خطته المعروفة باسمه، وبإعلانه أن «حرب غزة انتهت».
ويبدو أن الرئيس الأمريكي عازم، بل مُصرّ، على تثبيت وقف النار في غزة، من خلال شعاره «السلام بالقوة».
وها هو يرسل نائبه جي دي فانس إلى المنطقة، لإعطاء زخم لعزم ترامب تنفيذ خطة السلام من جهة، ولإيصال رسائل حاسمة وحازمة للطرفين المعنيين بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته من جهة ثانية. فانس، بحضور المبعوث ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر ترامب، افتتح في إسرائيل مركز التعاون العسكري المدني لإعادة إعمار غزة.
وأعلن أن واشنطن عازمة على تطبيق مراحل خطة ترامب الثلاث، التي تم تنفيذ المرحلة الأولى منها، وشملت تبادل إطلاق سراح الأسرى، ووقف إطلاق النار، برغم بعض الخروقات الإسرائيلية، وأيضاً تأخر تسليم بعض جثامين الأسرى الإسرائيليين من غزة.
إلا أن فانس قلل من تأثير هاتين النقطتين، قائلاً إن مسألة الجثامين مهمة صعبة، ولن تتحقق بين عشية وضحاها، وعلينا التحلي بالصبر. مشيراً إلى أن أماكن بعضها غير معروفة.
كما أكد أن انتشار العنف خلال الأيام الأولى لتنفيذ الخطة، لا يعني نهاية السلام. وتصرف فانس في إسرائيل بما يؤشر إلى أن واشنطن هي التي تتحكم في هذه المرحلة بالسياسة الإسرائيلية، خاصة لجهة اجتماعه بقيادات عسكرية، من دون حضور نتانياهو.
ترامب وأركان إدارته، يتعاملون بسياسة العصا والجزرة، في ما يخص إنجاح تنفيذ الخطة. فمن ناحية، يكررون تهديد حماس «بنهاية سريعة وعنيفة ووحشية»، ما لم تلتزم بتنفيذ بنود اتفاق وقف النار.
ومن ناحية، يهددون ضمناً حكومة نتنياهو بوقف إمدادات الأسلحة والمعدات. وفي نفس السياق، كان لافتاً تصريح ترامب أن لا جدول زمنياً قطعياً لنزع السلاح في غزة.
وكما أوردت «وول ستريت جورنال» أن واشنطن تمارس ضغطاً شديداً على الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، على عدم الإقدام على أي عمل يهدد خطة ترامب للسلام بالانهيار.
وفي مؤتمر صحافي، أعرب كل من فانس وويتكوف وكوشنر، عن تفاؤل كبير بأن الخطة تسير «أفضل مما كنا نتوقع».
ما يتسرب من واشنطن، ويتوافق مع إرسال ترامب نائبه فانس إلى المنطقة، وهي خطوة لها مدلولاتها، لجهة مزيد من الضغط على نتانياهو، أن واشنطن استكملت الآلية الخاصة بمراقبة تنفيذ اتفاق غزة. وأن هذه الآلية ستتم تحت إشراف قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي سيتخذ مقراً في منشأة قرب مدينة غزة، ربما تكون مدينة عسقلان.
تشمل القضايا الرئيسة غير المحسومة، آلية الحكم والسيطرة الأمنية في غزة، إذ تدعو خطة ترامب إلى تشكيل هيئة تكنوقراط، تحت إشراف مجلس رقابة دولي، وإلى إنشاء قوة متعددة الجنسيات، من دون أي دور لـ «حماس».
وقال فانس، الذي زار قاعدة عسكرية في جنوبي إسرائيل، حيث تراقب قوات أمريكية وقف إطلاق النار، إن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، متفقة جميعها على أنه رغم إمكان منح مقاتلي حماس عفواً، فإن على الحركة أن تنزع سلاحها.
كما أن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، فإن خطة ترامب مزدحمة بتفاصيل معقدة، لكن الرئيس الأمريكي يسير بخطته كالبلدوزر، لا يأبه بحجارة هنا وهناك، ولا بأسلاك شائكة أو ألغام قديمة. ما يهمه الوصول إلى مبتغاه، المتمثل بأمرين. أحدهما إثبات أنه رجل السلام، والآخر تسلم إدارة قطاع غزة بموقعه الاستراتيجي والاستثماري، وتحقيق السلام.