المناعي (أو المنانعة)، تعود جذورهم إلى فخذ بني كعب، أحد فخوذ بني تميم بمنطقة الحوطة في نجد، ومنها هاجروا وانتشروا في البحرين وقطر، ومناطق عدة من المملكة العربية السعودية، ممارسين الغوص على اللؤلؤ، وقيادة السفن وتجارة الذهب والأرزاق، حيث برز منهم الكثير من الأعلام، لا سيما في عالم التجارة والمال، وفي ميادين الشعر والأدب والفنون والصحافة والقضاء، والأمور الشرعية والتدريس. وقد عرفوا منذ القدم بالوجاهة والشجاعة والعلم والكرم والولاء المطلق لأوطانهم الخليجية وولاة أمورها.
أتى على ذكرهم قبل أكثر من مئة سنة، المؤرخ والمستشرق الإنجليزي «جون جوردون لوريمر» (1870 ــ 1914)، في القسم الجغرافي من كتابه «دليل الخليج»، فقال: «المنانعة مفردها مناعي، وهي قبيلة عربية ليست بدوية، تتكون من غواصي وتجار اللؤلؤ في البحرين وقطر، ولهم مئة منزل في البحرين في قلالي، وعشرة منازل بمدينة المحرق، وعشرة منازل في الحد، ولهم عشرة منازل في الدوحة، و70 منزلاً في أبو الظلوف (على الساحل الشمالي لقطر). وهم من المسلمين السنة على مذهب الإمام مالك». كما أتى على ذكرهم المؤرخ الشيخ محمد بن أحمد آل ثاني، في كتابه «لمحات من تاريخ قطر»، فقال ما مفاده أنهم من فخيذة بني كعب من بني تميم.
لكن هناك من الباحثين والمؤلفين من اجتهد في الحديث عنهم، فأخطأ وسرد معلومات مبالَغ فيها، ومنهم «راشد بن علي بن جريس الحنبلي»، في كتابه «منير الوجد في أنساب ملوك نجد»، وذلك في معرض حديثه عن جدهم «الأمير مانع بن المثيب»، حيث قال إن المنانعة ينتسبون إلى عنزة.
من شخصيات المنانعة من ذوي الذكر في الوثائق التاريخية الخليجية، الشيخ سالم بن درويش آل بن عجمي المناعي (ت: 1873)، مؤسس منطقة القلالي في البحرين، في أربعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، وسميت بهذا الاسم، لأن مؤسسها كان يحارب أعداءه بالقلالي، بحسب أحد المصادر. وتمتع الشيخ سالم بن درويش بمكانة سياسية لدى حاكم البحرين وتوابعها، المغفور له، الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848 ــ 1932)، طيب الله ثراه، وكانت بينه وبين المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ووكيل المقيمية في بوشهر، بعض المراسلات، وخاض معارك حربية إلى جانب الشيخين علي بن خليفة آل خليفة ومحمد بن خليفة آل خليفة.
كما أن ابنه الشيخ محمد بن سالم بن درويش المناعي من الشخصيات الهامة، ذي الذكر في تاريخ البحرين، حيث خلف والده في رئاسة المنانعة بالبحرين، وكان من المشاركين في معركة «دامسة» سنة 1867، ومعركة «الدولاب» سنة 1853، للدفاع عن البحرين وحمايتها من الأعداء.
ومن شخصياتهم الحديثة البارزة في البحرين، الوجيه محمد بن عبد الله بن عيسى المناعي، رحمه الله (ت: 2024)، رجل الأعمال والصناعة وتاجر اللؤلؤ والمجوهرات، وأول بحريني تعلم تصميم وصياغة الحلي والمجوهرات في معهد بونا للمجوهرات في الهند سنة 1947. وكذلك الوجيه عبد الله بن أحمد بن هندي المناعي، المولود في البحرين سنة 1940، والذي برز في ميدان المال والأعمال وتجارة السيارات، وكان أحد أعضاء مجلس الشورى الأول سنة 1992. وعضواً في مجلس إدارة البنك الأهلي التجاري، وأحد مؤسسي النادي البحري بالمنامة.
وفي قطر، برز المؤلف والمخرج المسرحي عبد الرحمن بن إبراهيم المناعي، الذي يعد من مؤسسي الحركة المسرحية القطرية، وكاتب أول نص مسرحي، وهو من تولى إدارة مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الفترة من 1987 وحتى 2005، وكذلك وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الحكومة القطرية منذ أكتوبر 2021، الأستاذ محمد بن علي المناعي. وأيضاً رجل الأعمال وصاحب مؤسسة شركة المناعي العريقة، الوجيه أحمد بن عبد الله بن عيسى المناعي (توفي في لندن عام 2008).
أما الإمارات، فقد حل بها المنانعة في حدود عام 1111 أو 1112 للهجرة، الموافق لعامي 1699 و1700، وكان أول مكان اتخذوه مقراً لإقامتهم هو بلدة المعيريض في إمارة رأس الخيمة.
والمعيريض، لمن لا يعرفها أو لم يسمع بها، بلدة قديمة، لها ذكر في تاريخ جلفار (رأس الخيمة)، وتعرضت قديماً لفيضانات قوية، أودت بحياة 90 ألفاً من سكانها. في فترة لاحقة لعام 1112 للهجرة، انتقل بعض أفراد قبيلة المنانعة من المعيريض إلى أماكن أخرى، فقد سكن الشيخ أحمد بن علي المناعي وعائلته مثلاً إمارة الشارقة، بينما بقي أخوه إبراهيم بن علي المناعي مع 226 فرداً من عائلته وأتباعه في المعيريض، حيث ما زالت بيوتهم وبساتين نخليهم موجودة هناك إلى اليوم.
أحد أبرز المنانعة في الإمارات، هو فضيلة الشيخ أحمد بن علي المناعي، من فخذ بني عليان من المنانعة، الذي سنستعرض هنا سيرته. وهو يعد واحداً من أبرز وأشهر رجالاتهم في الدين والأدب والشعر بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ولد الشاعر الأديب الشيخ أحمد بن علي بن إبراهيم، المناعي لقباً، والتميمي نسباً، في المعيريض في رأس الخيمة، في ربيع الثاني سنة 1308 هـ، الموافق لعام 1890 ميلادي، ودرس في بداية حياته على يد الشيخ أحمد بن حمد الرجباني النجدي الحنبلي (ت: 1917)، علوم الدين ومبادئ النحو، فحفظ ألفية ابن مالك والعروض والملحة. في سنة 1932 م، ذهب إلى بغداد، ودرس فيها على يد الشيخ محمد عبد الفتاح، ثم ذهب إلى المملكة العربية السعودية، وعمل بها قاضياً لمدة سنتين، ما بين عامي 1964 و1965 م، بمنطقة الزغيب (منطقة زراعية تقع إلى الشرق من مدينة عنيزة في القصيم). وفي سنة 1948، بعثه الشيخ سلطان بن صقر القاسمي (1885 ــ 1951)، حاكم الشارقة آنذاك، إلى جزيرة أبو موسى، ليتولى أمر القضاء والتدريس والتوجيه فيها، حيث أقام فيها ثلاث سنوات.
وفي سنة 1951، ذهب إلى قطر، فعينه حاكمها آنذاك، المرحوم الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني (1896 ــ 1974)، مدرساً في المعهد الديني، ومكث فيها حتى سنة 1953. وفي 1954، ذهب إلى مدينة الدمام، حيث صار إماماً وخطيباً لمسجد الأمير عبد العزيز بن جلوى حتى عام 1956. ثم عاد إلى رأس الخيمة ليعمل في التجارة. كما أنه ما بين هذا وذاك، مارس التدريس في إمارة الشارقة، من خلال المدرسة التيمية المحمودية (نسبة إلى ابن تيمية، ومؤسسها سنة 1907 الشيخ محمد بن علي المحمود)، ومدرسة الإصلاح القاسمية (تأسست بهذا الاسم عام 1948، لأنها بدأت داخل بيت يعود للشيخ سلطان بن صقر القاسمي).
وفي ربيع الأول سنة 1410 هـ، الموافق لشهر أكتوبر 1989، انتقل الشيخ أحمد بن علي المناعي إلى جوار ربه، عن عمر ناهز 99 عاماً، كان حافلاً بالنشاط الدائم والزيارات المتكررة للبحرين وقطر والسعودية ودبي، ومدينة بنغلور الهندية، التي كانت له فيها ذكريات من أيام عمله في الغوص وتجارة اللؤلؤ.
كتب عنه ترجمة قصيرة، الكاتب والمؤرخ والشاعر والدبلوماسي السعودي خير الدين بن محمود الزركلي (1893 ــ 1976)، في الصفحة 95 من الجزء الأول من كتابه «معجم الأعلام»، وكتب عنه موقع البابطين الشعري الإلكتروني، واصفاً إياه بـ «شاعر وفقيه عالم، جعل من شعره وسيلة لمواعظه وتوجيهاته، فحث به على إقامة الشعائر الدينية، وعدم التفريط فيها، واستشهد بمواقف من حياة الآباء والأجداد، ودعا به إلى البر والتقوى، والتمثل بالأخلاق الكريمة والأفعال النبيلة، خاصة الكرم والوفاء والحياء والعفاف، ودعا إلى النظر والتفكر في مخلوقات الله». وخصصت له قناة الشارقة الفضائية حلقة من برنامج «عبق الماضي»، من تقديم الأديب الإماراتي الصديق الدكتور عبد الله الطابور، للحديث عن سيرته ومآثره. هذا علماً بأن الشيخ أحمد بن علي المناعي، لم يكن سوى شاعر من ضمن العديد من الشعراء المنانعة القدامى والأوائل في الإمارات، من أمثال حسين بن إبراهيم المناعي، وعلي بن إبراهيم المناعي، وإبراهيم بن علي المناعي، ومحمد حسين المناعي، وحسين بن علي بن محمد المناعي، المعروف بحسين الأول.
ترك الشيخ المناعي لنا قصائد عديدة، معظمها اجتماعية وسياسية ووعظية، وبعضها في رثاء زملائه ومجايليه، منها قوله:
تفكر فإدراك المنى بالتفكر
وأبصر بعين القلب أي بالتبصر
وانظر لي خلف الستار بنظرة
تجد ما ترى حقاً يأتيكم بالتفكر
ومن قصائده، قصيدة أنشدها في سنة 1957، على إثر إغراق البحر لمنازل فريج آل علي القاطنين شمالي مدينة رأس الخيمة. وهي حادثة انشق بسببها خور رأس الخيمة، فأطلق على الخور الجديد اسم «خور خلفان»، نسبة إلى الصياد خلفان الرمس، الذي أغرق البحر منزله. فلما رأى شاعرنا الفزع والخوف مسيطراً على الأهالي، بعد أن تهدمت منازلهم، وأصبحت غير آمنة، وبدأوا بالانتقال من المعيريض إلى جهات أخرى، أنشد قائلاً:
استعبروا يا أولي الألباب
يوم البحر بإذن الله إيفيض
وتوقظوا من حال الأخطار
من قبل لا يزداد ويهيض
أصبح سفر من دار إلى دار
أكبر أمر هايض وتوعيض
خورين مدخالا ومطهار
من رأس الخيمة لين معيريض
أطلب من الواحد القهار
وأدعوه بخلاص وتفويض
وله قصيدة يمدح فيها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وقصيدة أخرى يمدح ويشيد فيها بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقصيدة ثالثة يمدح فيها المرحوم الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة السابق، حيث يذكر أن الرجل كان مرجعاً يستعين به حكام وشيوخ الإمارات، بدليل وجود الكثير من المراسلات بينه وبينهم.
ومن أمثلة تشاوره مع الحكام لصالح خير البلاد والعباد، ما حدث حينما وافق الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة سابقاً، في عام 1921، على إنشاء (محطة) مطار الشارقة. وقتها اعترض بعض الأهالي على فكرة المطار، وكان منهم عبد الله بن أحمد المناعي، ومحمد بن أحمد المناعي، وذلك خوفاً من أن يستخدم الإنجليز المطار كبوابة لتعزيز نفوذهم وسيطرتهم على المنطقة، فتدخل الشيخ أحمد بن علي المناعي لتهدئة النفوس، وذهب شخصياً لمقابلة الحاكم من أجل استجلاء الأمر، فطمأنه الأخير بأن المطار هو من ضمن إنجازات البلد، وسوف يكون بادرة خير تعود بالنفع على الجميع، فاقتنع وأقنع المعترضين. وتكرر الأمر، حينما أراد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، فرض رسوم جمركية على أصحاب السفن وعلى المسافرين بحراً. ونستنتج من الحادثتين دور الشيخ المناعي في نزع فتيل الخلافات، ومدى سيادة الرأي والمشورة بين الحاكم والمحكوم، وحرص الطرفين على العلاقات الأسرية النابعة من حرصهما على مصلحة البلد.
وعلى منوال أبيه في الصلاح والإصلاح والتقوى وبذل الخير، سار ابنه عبد الله بن أحمد بن علي المناعي التميمي، الذي كتب عنه الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن الحنبلي، في كتابه «أرجوزة في العقيدة»، المطبوع في الهند عام 1892، فوصفه بالشاب الأديب والتقي الأريب، الباذل جهده في أن يكون له في الخير نصيب، ذي المعتقد السليم والخلق العظيم، علماً بأن عبد الله هذا عمل في تجارة اللؤلؤ، وكان عيناً من أعيان الإمارات، وتوفي في عام 1940.
