الصباح.. فاتحة الخير والإنجاز والبركة

تحت عنوان «استيقظ قبل البشر» كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، واحداً من أروع الدروس التي تعلمها من هذه الحياة، قص فيه مسيرته مع الإنجاز المبدع من خلال نمط حياة يقوم على استثمار ساعات الصباح المبكرة لإنجاز جلائل الأعمال.

وأن هذه العادة الإيجابية البسيطة في مظهرها، العميقة الأثر في جوهرها هي الفرق بين الإنسان القوي وبين الضعيف، وأن النجاحات الكبيرة قد يكون أساسها عادات صغيرة يلتزم بها الإنسان النشيط، وهو ما عبر عنه سموه في افتتاح هذا الدرس الثمين بقوله: «علمتني الحياة أن عاداتي اليومية الصغيرة هي سر نجاحاتي الكبرى في الحياة.

وأن الناس قد يتشابهون في القدرات، لكن ما يحدد تفوقهم هو العادات»، ففي هذه الكلمات يلفت سموه نظر الإنسان إلى أن تحقيق الإنجازات الكبرى ليس شرطاً أن يحتاج إلى معجزات بل هو ثمرة النظام والاستمرار والمثابرة على عاداتٍ صغيرة هي التي تخلق فكرة النظام داخل الروح الإنسانية، وتجمع بين المنجزات الجزئية الصغيرة لتجعل منها إنجازاً كبيراً يستحق التنويه وطرحه كنموذج لتغيير عادات الإنسان السلبية وتحويلها إلى عاداتٍ إيجابية تطلق طاقات الإنسان، وتخرجه من دائرة العجز والكسل والضعف الذي لا يليق بكرامة الإنسان وطاقاته المبدعة.

وتوضيحاً لهذه الفكرة التربوية العميقة يواصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحديث عن منهجه المتميز في صناعة الحياة الناجحة من خلال الالتزام الصارم بعادة يومية ثابتة هي التي تفرق بين الإنسان القوي والإنسان الضعيف.

حيث يقول: «علمتني الحياة أن القوي هو الذي يُلزم نفسه بعاداتٍ إيجابيةٍ مستمرة، والضعيف هو ضعيف الإرادة الذي لا يستطيع حفر عادة إيجابية ثابتة في حياته»، إن هذه الكلمات التي يصعب التعليق عليها لما اشتملت عليه من حقائق الصدق.

حيث يطرح سموه مفهوماً عملياً للرجل القوي وأن سبب هذه القوة هو الالتزام بعادة عملية يومية، بينما ينشأ الضعف من عدم قدرة الإنسان على الالتزام بعادة يوميةٍ مستمرة يكون لها ثمرة ونتيجة ملموسة تعزز في نفس الإنسان القدرة على الإنجاز، وتجعله يتحرك ضمن شعورٍ إيجابي بالحياة.

بعد هذا التمهيد العام للفكرة ينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للحديث عن هذه العادة الإيجابية من خلال تجربته الخاصة مع الانتظام والمثابرة على العادات الإيجابية الفاعلة التي أسهمت في صناعة الكثير من إنجازات سموه عبر المسيرة التنموية للوطن فيقول:

«من أكثر عاداتي التي ساهمت في بناء الكثير من نجاحاتي هي الاستيقاظ قبل الناس»، وبعد تقرير هذه العادة التي يتسم بها القادة النشطاء يتحدث سموه وبلغة شعرية عن طبيعة الإحساس النشيط للإنسان في تلك الساعة الصباحية النادرة فيقول: «بعد الفجر وقبل الشروق، تتنفس الأشجار، وتنطلق المخلوقات، وتوزع الأرزاق.

في أول الصباحات، يمكنك اتخاذ أكبر القرارات، في أول الصباحات، تستطيع التأمل والتفكر، وممارسة الرياضة، والتفكير العميق في أعظم قراراتك، وأهم أحلامك وطموحاتك»، في هذا المقطع من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يتم فتح خزانة الصباح الممتلئة بكل الطيبات، حيث يرسم سموه وبريشة الفنان ما يشعر به الإنسان من روعة الإحساس بالجمال المنتشر في أرجاء الكون في كل صباح.

حيث تتنفس الأشجار وتنطلق المخلوقات وتندفع أسراب الطيور، وتعلو الأصوات الباحثة عن الحياة الجميلة المنتجة، ليحصل النشطاء على مكافأتهم فيبارك الله لهم في أرزاقهم تحقيقاً لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) ليشمل هذا الحديث الشريف جميع أشكال البركة في الرزق والقوة وصحة التفكير وبركة اتخاذ القرار وممارسة النشاط والرياضة.

فيستشعر الإنسان روعة الصحو المبكر، وقيمة النتائج الحاصلة من هذه العادة الحسنة، في مقابل ما يشعر به الإنسان الكسول النؤوم من مشاعر الضيق وقلة التوفيق، واضطراب النفسية، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وحرمان الإنسان من فضيلة التأمل التي تمنح الروح سكينة عجيبة، وتُعينه على تحصيل التفكير العميق الذي يساعد الإنسان على اتخاذ أعظم القرارات.

بعد هذا الكلام الثمين عن الأهمية الاستثنائية للصحو المبكر، يتحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن الشخص الذي ألهمه هذا السلوك وجعله عادة راسخة في شخصيته، حيث كان والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، من علّم سموه هذا السلوك الحميد في استقبال الصباح، يقول سموه:

«أخذت هذه العادة من أبي رحمه الله، وأحرص أن يستمر عليها من بعدي أبنائي وأحفادي» ليمتد الكلام بعد تحديد مصدر القدوة إلى الحديث عن الدروس الكبرى التي تعلمها سموه من الاستيقاظ المبكر، حيث قال:

«علمتني الحياة أنك إذا كنت تبحث عن الصورة الحقيقية لمشاريعك ومؤسساتك ورجالك، فعليك بجولات الصباح» هذه الجولات التي قص قصتها الرائعة وتفاصيلها البديعة سموه في سيرته الذاتية (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً).

حيث أبدع في رصد التفاصيل لهذه الجولات الصباحية وكيف أن القائمين على المشاريع الكبرى في دبي كانوا يجدون في هذه الجولة أكبر محفزٍ لهم على الإنجاز، وهو ما يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تنفيذه بكل ما يحمله من الإحساس بالمسؤوليّة، لينتقل بعد هذه الصورة العملية للنشاط المبكر إلى انطلاق طاقة الإبداع لدى الإنسان في الصباح المبكر، حيث يقول:

«وإذا كنت تبحث عن ساعة صفاء لكتابة قصيدة، أو إبداع فكرة، أو قراءة مهمة، فعليك بساعة الصباح الأولى، وإذا كنت تريد ممارسة رياضة أو هواية محببة إلى قلبك.

فعليك بساعات الصباح الأولى، وإذا كنت تريد تحقيق إنجاز قبل أن يشغلك الناس، فعليك بساعات الصباح الأولى»، فهذه هي المكاسب الكبرى التي تتحقق حين يكون الرجل من رجال الساعة الأولى من الصباح، في حين أن غيره يكون يغط في نوم عميق، تاركاً كل هذه المكاسب التي لا يجنيها إلا رجال الصباح الشجعان.

وما زال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يستلهم الدروس العميقة التي يظفر بها رجل الصباح النشيط فيقول: «علمتني الحياة أنه مع شروق كل يوم تُشرق آلاف الفرص الجديدة.

وأولئك الجاهزون لها مع أول الصباح هم من يقتنصون أفضلها. علمتني الحياة أن لحظات الصباح الأولى هي اللحظات الأنقى والأصفى للعقل أن يفكر، وللخيال أن يبدع، وللأحلام أن تُرسم، وأن أغلب القادة عبر الأزمنة يشتركون في شيءٍ واحد: هو احترامهم لساعات الصباح الأولى» ليلخص سموه كل ما مضى من الكلام بقوله:

«علمتني الحياة أن من يملك صباحه يملك يومه، ومن يملك يومه يملك حياته ومصيره» لتكون هذه الكلمات تأكيداً على أن الحرية الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا بالنهوض الباكر لخوض أشرف معارك الحياة.