ويبذل أكبر جهد في سبيل توجيه الطاقات نحو المسارات الإيجابية في الحياة، وعدم السماح للنوازع البشرية أن تشوّه صورة المشهد الإنساني الجميل الذي يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على تحقيقه عبر مسيرة التنمية والتطوير، التي تشكل هاجسه الأكبر، وتستأثر بطاقته المبدعة في التفكير والتخطيط والتنفيذ، ليظل هذا الوطن يستلهم الرؤية الإيجابية للحياة، ويبتعد بأكبر جهد ممكن عن التفكير السلبي الذي يبدد الطاقات، ويفرغ المضمون، ويجعل السعي التنموي الإنساني هباءً منثوراً.
والتي تفصح عن نفسها ضمن أشكال وأساليب مختلفة، يحتاج الحاكم إلى بصيرة وخبرة في معرفة أشكالها ودوافعها، ثم معالجتها بحكمة وحزم كي لا يكون لها ما يريد لها أصحابها من التأثير، فتكلم عن ظاهرة الحسد بين المشتغلين في القطاعات العامة والخاصة، وسماها «العدو الخفي»، بسبب ما يكتنفه من مظاهر الغموض التي قد تخفى على أصحاب النظرة العجلى من الحكام.
لكن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وبما جبل عليه من الذكاء الفطري والخبرة العميقة في مجريات الحياة، لا يخفى عليه هذا الداء الوبيل الذي يفتك بالأرواح والأخلاق قبل فتكه بالمشروعات والمؤسسات، فاقتضى ذلك منه التنبيه على هذا الداء الخفي والعدو المتربص بالوطن والإنسان.
«عندما يتواصل معك البعض لتقليل نجاحات الآخرين، أو لانتقادهم بطريقة غير مبررة، أو لمحاولة عرقلة مشاريعهم الناجحة عبر قرار أو توجيه منك، أو لإيقاف الدعم الذي تقدمه لهم، فاعلم أن هذه القوة الخفية هي من يقف وراء ذلك الحسد». بكل هذه الصراحة وهذا الوضوح يحدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن الحسد هو ذلك الشعور القاتل الذي يتخفى بقناع الحرص على المصلحة العامة عبر التقليل من إنجازات الآخرين، والعمل على عرقلة مشاريعهم الناجحة، ومحاولة التأثير على صاحب القرار من أجل تقليل الدعم أو تجفيف منابعه بشكل كامل.
وأن هذا الخلق سيكون له التأثير السلبي إذا لم يتفطن له صاحب القرار ويعرف دوافعه، ويضعه في حجمه الحقيقي، لأن الحسد، وبحسب كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، قوة مدمرة وخفية، ليس فقط على المستوى الشخصي، ولكن حتى على مستوى المؤسسات. ثم يرصد سموه بحسه الثاقب وبصيرته النافذة ما يطرأ على بيئة العمل من التحولات السلبية حين تشتعل نار الحسد في الصدور فيقول:
«عندما تتحول نجاحات البعض لتهديدات بالنسبة لآخرين تتبدل بيئة العمل، وتحل المكايدات بدل المبادرات، والتشكيك بدل الثقة، والشللية بدل العمل بروح الفريق الواحد»، ثم يحدد السبب الأوحد لكل هذا الخراب بقوله: «ومنبع كل ذلك هو إحساس بالعجز والضعف والحقد لدى البعض عندما يرى نجاحات الآخرين».
«علمتني الحياة أنّ العديد من المشاريع والأفكار لا تفشل بسبب نقص في مواردها، أو بسبب قلة الإبداع في فكرتها، أو بسبب ضعف القائمين عليها، بل بسبب شخص حاسد سعى لإيقافها وعرقلة نجاحها لأنه يظن أن نجاح الآخرين فشل له، وتفوق زملائه إظهار لعجزه هو»، فهذا هو الدرس العميق الذي تعلمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من موقعه حاكماً يتقدّم إليه أكثر شرائح المجتمع بمطالبهم وأفكارهم، وينظر فيها برويّة وإنصاف كي يعرف الدوافع الخفية التي تقف وراء كثير من مظاهر السلوك الإنساني.
ويسجل سموه إدانته القوية الحاسمة لظاهرة الحسد ولشخصية الحاسد بقوله: «الحسد خطيئة، والحاسد عاجز وحاقد، وحتى موروثنا الديني الحنيف حذرنا من كل ذلك، بل وعلمنا قراءة سورة الفلق للاستعاذة من الحاسد والحسد كل يوم، لأنها ظاهرة حقيقية ومؤثرة في جوانب حياتنا كافة».
وأن أكبر جريمة حدثت في بيت نبي كانت في بيت يعقوب، عليه السلام، حين اشتعلت نار الحسد في قلوب أبنائه وفعلوا الأفاعيل مع أخيهم يوسف، عليه السلام، ليخلص من ذلك كله إلى التأكيد أن الحسد شعور إنساني موجود ودافع بشري خفيّ يحتاج إلى نوع خاص من الوعي يدرك معه الإنسان حكمة الله تعالى في توزيع الأرزاق والنجاحات، بحيث يشتغل الإنسان بشكر ربه تعالى بدلاً من النظر بعين الحسد إلى أرزاق الآخرين وإنجازاتهم.
وأن الذي يقف خلف ذلك هو الحسد السياسي والخوف من الصعود القوي لبعض الدول، ليسجل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في ختام هذا الدرس هذه الكلمات بالغة التأثير خلاصة رأيه في آفة الحسد قائلاً: «علمتني الحياة أن الحسد خطيئة شخصية، ورذيلة اجتماعية، وآفة مؤسسية، وأحياناً معضلة في العلاقات الدولية، والحكمة تقتضي الوعي بها وفهم طبيعتها وحسن إدارتها، حتى لا تتحول إلى طاقة مدمرة للإنجازات والمجتمعات».