كان للقارة الأوروبية، ممثلة بكل من بريطانيا وفرنسا، دور حاسم في انفتاح العالم العربي على العالم الغربي ونهجه في الحياة، فهما اللتان رسمتا خرائط منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنه العالم العربي ووضعتا سياقات تصريف شؤونه عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أما الولايات المتحدة الأمريكية .
فقد بدأ تأثيرها يمتد إلى المنطقة بُعيد الحرب العالمية الثانية منذ اللقاء التاريخي بين العاهل السعودي عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي الـ 32 فرانكلين روزفلت على ظهر إحدى السفن الأمريكية في العام 1945،.
حيث دخلت الولايات المتحدة بثوبها الجديد قوة عسكرية واقتصادية كبرى وعبر رسالتها التي وردت في المبادئ الـ 14 للرئيس الـ 28 ودرو ولسون حول الحرية وتقرير المصير.
هناك إشكالية لا يمكن المرور عليها دون تسليط بعض الضوء على أبعادها في سياق التطرق إلى العلاقات بين العالم العربي وبين الولايات المتحدة الأمريكية. عنوان هذه المقالة يكشف عن هذه الإشكالية ويعبر بوضوح عنها لذلك نحتاج من أجل توضيح دلالاتها إلى بضع كلمات.
الولايات المتحدة دولة موحدة تمتلك سياسات واضحة داخلية وخارجية في شتى الأمور، في مقابل ذلك ليس هناك في الحقيقة دولة عربية تمتلك التفويض نيابة عن العالم العربي الذي يضم ما يزيد على الـ 20 دولة تقع جغرافياً في قارتين هما آسيا وأفريقيا.
يخضع الشرق الأوسط فكرياً لهيمنة ثقافات وسلوكيات نابعة من تقاليد 4 إثنيات رئيسية تقاطعت فكرياً عبر التاريخ بحروب عديدة وما زالت ذاكرتها تقلق الحاضر بإحضار ثقافة الماضي: عربية وفارسية وتركية وإسرائيلية وإثنيات أخرى أقل أهمية لها ما لها من حقوق لم تحظَ إلا بالقليل منها،.
وقد مر نفوذ كل من هذه الإثنيات بموجات من المد والجزر تجاوزت حدود بلدانها إلى مناطق واسعة من العالم. أجواء المنطقة مشحونة بالتوتر وبالتوجس، إذ لا يزال تراث الماضي يفرض حضوراً قوياً في أوساطها، منذراً باحتمال استلال أحد فصول سردياتها ليوقظ أجواء التقاطع.
ليس هناك من شك في أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي هي فصل من فصول استراتيجيتها في العالم التي يختلط فيها ما هو سياسي وأمني واقتصادي، سياسة مبنية على ثوابت معينة تتعلق بمصالحها وبالتزاماتها على الأمدين القريب والبعيد، وحرصها البقاء وحيدة كقوة عظمى في العالم وإقامة العوائق أمام من يحاول المساس بذلك..
وهي من هذا المنظور ترى أهمية العالم العربي في تنفيذ خططها لإضعاف الصين المنافس الأقوى اقتصادياً عن طريق مشروع يربط الهند بأوروبا اقتصادياً مروراً بالشرق الأوسط كبديل لطريق الحرير الصيني.
من حيث المبدأ واشنطن تفرض حضورها في أية قضية حول العالم وفي أية بقعة فيه حتى إذا كانت ثانوية الأهمية وبعيدة كل البعد عن مساسها بأمنها القومي، فهي تفعل ذلك لإدامة التذكير بدورها القيادي عالمياً. ويزداد حجم هذا الحضور في هذا الحدث أو ذاك حسب درجة أهميته في تأمين قدراتها من مدخلين اقتصادي وعسكري.
لا شك أن اهتمام الولايات المتحدة بالشأن العربي يتأتى من الموقع الجغرافي الذي يشغله في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي وكونه يشرف على ممرات مائية مهمة، وبسبب ثرواته الطبيعية، ولأنه سوق مهمة لتصدير السلاح.
وقد زاد اهتمام الولايات المتحدة ودول أخرى بالعالم العربي مع ظهور تنظيمات إرهابية فيه، وتراجع قوة بعض دوله لصالح الميليشيات المدججة بالسلاح التي يتصاعد نفوذها.
والتي تعزز بدورها العمليات الإرهابية التي عانت منها العديد من دول أوروبا، وعانت منها الولايات المتحدة كما شهدنا في الحادي عشر من سبتمبر 2001 بانهيار برجي التجارة العالميين في نيويورك الذي أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنهما.
ورغم إعلان الولايات المتحدة الحرب الشرسة على الإرهاب كعنوان لاحتلال أفغانستان ثم العراق، إلا أن ذلك لم يمنع نشوء منظمات إرهابية كبيرة كتنظيم «داعش»، وهو مما عزز الوجود العسكري الأمريكي في عدد من دوله.
وتعزز اهتمام الولايات المتحدة بالعالم العربي مع بروز دول خليجية كمستثمرين مهمين في برامج علمية وتكنولوجية تشغل مواقع متقدمة في أولويات الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق منها بالبرمجيات ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي.
وقد شهدنا في الآونة الأخيرة توقيع الولايات المتحدة اتفاقيات مع هذه الدول بمئات المليارات من الدولارات في قمة الرياض عند زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.