فصاحب الوهم لا ينظر إلى وهمه على أنه وهم، بل هو حقيقة وحقيقة مطلقة في كثير من الأحيان، إذن الوهم نوع من العقل البشري محشو بما لا يصدقه العقل الواقعي، سواء كان الوهم تصورات ما فوق طبيعية أو غايات قابلة للتحقق وهي بالأصل مستحيلة التحقق، بل إن بعض الناس يخوضون صراعاً وهمياً ويموتون من أجله.
هذا النمط من الوعي قادر على أن يمنح صاحبه الذي يعتقد به القوة على ارتكاب السلوك اللامعقول، والوهم بوصفه وجوداً لامعقولاً لا يقود إلا إلى السلوك اللامعقول.
وأخطر أنواع الأوهام هو الوهم في عالم السياسة مسلحاً بالعنف والجهل المقدسين، يؤدي هذا الوهم إلى كارثة وجودية لا مثيل لها في التاريخ، وبخاصة إذا كان مقصود هذا الوهم استعادة تاريخ لا وجود له إلا في رأس حامليه، أو الاعتقاد بقدرته على تحقيق عبر القوة ما لا يمكن تحقيقه في الواقع.
وليس هناك فارق في الوهم بين الوهم المسلح بالمقدس الديني، والوهم المسلح بالمقدس الدنيوي في نتائجه الكارثية، بل إن عنف الوهم الدنيوي المقدس أشد تدميراً من عنف الوهم الديني كما دللت التجربة، وإذا اتحد العنفان صارت الحياة في خبر كان.
فالممكن لكي يتحقق واقعياً يجب أن يتوافر شرطان ضروريان؛ أن يولد من رحم الواقع بوصفه ممكناً ضرورياً من جهة، وأن تتوافر له الإرادة التي تنقله إلى واقع من جهة ثانية، فأي سلطة سياسية تسعى لفرض ممكن لا يتوافر فيه هذان الشرطان تقع في تناقض مع المجتمع بالضرورة.
جميع الحركات العنفية الأصولية التي تسعى عبر القوة العمياء لفرض تاريخ قديم في عالم جديد تقوم بفرض المستحيل، لأن إعادة التاريخ القديم لا تقع في حقل الممكنات، ونفي حق شعب كامل وحرمانه من حق الحياة الحرة وحق تأسيس دولته ضرب من الوهم القاتل، فمنطق الحياة المعاصرة لا ينطوي على ممكن نافٍ كهذا. وقس على ذلك، وهكذا فإن التحرر من الوهم أحد شروط السعادة الأرضية.