شاعر شتم عبدالوهاب وعبدالحليم

مرسي جميل عزيز
مرسي جميل عزيز

لكل مطرب شاعره الذي يرتاح للتعاون معه أكثر من غيره. فإذا ما تفحصنا مثلاً قائمة أغاني السيدة أم كلثوم وأغاني موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، نجد أن أجمل ما غنته الأولى كان من كلمات الشاعر أحمد رامي، وأن أجمل ما قدمه الثاني كان من كلمات حسين السيد.

لذا قيل إن عبدالوهاب لا يستغني عن حسين السيد، مثلما لا تستغني أم كلثوم عن أحمد رامي.

ولهذا أيضاً ارتبط كلاهما بعلاقات صداقة وعمل وثيقة على مدى سنوات طويلة بهذين الشاعرين.

هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنهما (أم كلثوم وعبدالوهاب) لم يقدما أعمالاً كثيرة أخرى من نظم شعراء مصريين وعرب آخرين مثل أحمد شوقي، وعبدالوهاب محمد، وأحمد شفيق كامل، وبيرم التونسي، وصالح جودت، وكامل الشناوي، وأمين عزت الهجين، وأحمد عبدالمجيد، وإبراهيم ناجي، وأحمد إبراهيم فتحي، ومأمون الشناوي، ونزار قباني، وبشارة الخوري، وجورج جرداق.

وكثيراً ما حدث أن عملاقي الأغنية المصرية، تدخلا لتغيير كلمة أو شطر أو بيت في ما قررا غناءه من قصائد، فكانت هناك خلافات في وجهات النظر، انتهى بعضها بحلول وسط، وانتهى بعضه الآخر بالقطيعة.

من ذلك أن الشاعر الغنائي المعروف مرسي جميل عزيز (1921 - 1980) الملقب بألقاب كثيرة مثل «شاعر الألف أغنية» و«مهندس الأغنية المصرية» و«صاحب المدرسة الرومانسية في الأغنية»، والذي كتب كلمات عدة كلثوميات مثل «سيرة الحب» و«ألف ليلة وليلة» و«فات الميعاد»، وعشرات الأغاني لغيرها من قامات الغناء والطرب في مصر، لم تكن لديه أي مشكلة في التعاون مع كل هؤلاء، بمن فيهم أم كلثوم، على الرغم مما عرف عن «الست» من تدخل في الكلمات واللحن.

غير أن مشكلته الأساسية كانت مع عبدالوهاب، إذ كان يحب أن يعمل معه، لكنه لم يكن يرتاح لطريقته في صنع الأغنية، لأن الأخير، على خلاف بقية زملائه، كان يضع اللحن ثم يطلب من الشاعر أن يكتب كلمات مناسبة كي يركبها على الموسيقى.

كان عزيز على علاقة وطيدة مع العندليب عبدالحليم حافظ، الذي غنى من كلماته العديد من الأغنيات العاطفية الجميلة والناجحة، ومنها: «اسبقني يا قلبي»، «بتلوموني ليه»، «بحلم بيك»، «حبك نار»، «الحلو حياتي»، «في يوم في شهر في سنة»، «قولوله الحقيقة»، «الليالي»، «ليه تشغل بالك»، «يا بو قلب خالي»، «هي دي هي»، «يا قلبي خبي»، «أحبك»، «أعز الناس»، «بأمر الحب»، «بلاش عتاب»، «جواب»، «الحلوة»، «راح راح»، «ضحك ولعب وجد وحب»، «قاضي البلاج»، و«يا خلي القلب».

لذا طلب العندليب، قبل وفاته في عام 1977 من عزيز أن يكتب كلمات أغنية جديدة كي يغنيها من ألحان عبدالوهاب في حفلات الربيع، فكتب شاعرنا كلمات أغنية «من غير ليه» التي لم يمهل القدر حليم لتقديمها بصوته، فظلت محجوزة في الأدراج لمدة عشر سنوات إلى أن أخرجها عبدالوهاب وغناها بنفسه سنة 1989 كآخر عمل له.

لم يعرف مرسي آنذاك أن معاناته سوف تطول مع عبدالوهاب، وأن الأخير سوف يطلب منه في كل بروفة أن يغير هذه الكلمة أو تلك. واستمر الحال على هذا المنوال مدة سنتين (1974 و1975)، إلى أن اكتمل العمل ووافق عبدالوهاب على الصيغة النهائية بحضور العندليب.

في تلك اللحظة تنفس عزيز الصعداء، وفرح لانتهاء معاناته، وهمّ بمغادرة منزل عبدالوهاب سعيداً. غير أنه قبل أن يصل إلى باب الخروج، ناداه عبدالوهاب طالباً منه تغييراً بسيطاً آخر، فما كان من شاعرنا إلا أن طفح به الكيل، فالتفت نحو عبدالوهاب والعندليب وشتمهما، ثم صفق الباب وراءه وخرج.