كانت الذكريات تثقل الخطوات؟

محظوظ من امتلك في ذاكرته مشهداً دافئاً من بيت الجدة، رائحة طبق طازج، أو صوت راديو قديم، أو تحلق حول مائدة، أو ركض حفاة الأقدام، أو لعب تحت شجرة.

أغلب هذه الذكريات انتهت مع جيل الألفية ممن ولدوا في التسعينيات، أما مع الأجيال الجديدة، فذكرياتهم تختلف، مثل اللعب بالأجهزة الإلكترونية، أو تناول الوجبات السريعة بدل التقليدية، أو مساحة أكبر من الحرية في استخدام الأجهزة الرقمية.

رغم اختلاف ذكريات الأجيال يظل الحنين للأماكن والأشياء القديمة ظاهرة إنسانية عميقة، ترتبط بأوقات شعرنا فيها بالسعادة والبساطة. في كثير من الأحيان يبدو الماضي الذي نعرفه أكثر أماناً من الحاضر السريع والقادم المجهول.

التفاصيل الصغيرة التي نمر بها وتمر بنا أحياناً كأغنية، أو رائحة أو مشهد، توقظ فينا ذكريات للحظات سابقة عشناها بصدق، ظننا أنها مضت، لكنها حية في الذاكرة، فعندما نشتاق لمكان أو شيء قديم فإننا في الحقيقة نشتاق لنسخة أبسط من ذواتنا. نميل إلى تجميل صورة الماضي في خيالنا حتى لو لم يكن بتلك الجودة التي نبالغ فيها في أذهاننا، وكأن في ذلك وفاءً خفياً لتلك الأيام.

قد يمنحنا التمسك في الماضي شعوراً بالراحة والألفة، ولكنه قد يكون، أحياناً، معيقاً للتقدم أو خلق ذكريات جديدة. يظل بعضنا أسيراً لصورة مثالية لماضٍ ربما لم يكن بذلك الكمال الذي يتخيله. الحنين شعور إنساني نبيل، ولكنه ليس دائماً دعوة للعودة للماضي، بل على العكس هو دعوة للامتنان والاحتفاء بذكرى فتحت لنا أبواب السعادة يوماً ما.

العودة للعيش في بيت الجدة القديم، مثل بعض من الذكريات، قد لا يكون قراراً حكيماً، أحياناً، في زمن تغيرت فيه الاحتياجات والمساحات. ماذا لو أدركنا أن الذكرى والحنين للماضي لا يعنيان بالضرورة دعوة للعيش فيه؟ ماذا لو أدركنا أن إعادة إحياء بعض الذكريات قد تخلق عبثاً وإخلالاً في سريان الأحداث الحالية، وقد تعيق القادم أو تؤذي أكثر مما تنفع؟