والمقصود بدول الجنوب هنا هي دول آسيا وأفريقيا وآسيا الوسطى، أي جنوب العالم، وقدرتها على التعاون فيما بينها للنهوض بمجتمعاتها، في ظل ما تمتلكه هذه الدول من مقومات اقتصادية وفرص تنافسية وإمكانيات استراتيجية داعمة ومتلائمة والطبيعة الجيوسياسية لها.
والسيطرة على طرق الإمداد والممرات الدولية هي معايير قوة الدولة وليس المساحة أو التعداد السكاني فقط، كما كان الحال قبل ظهور نظرية الجيواقتصادية في عام 1990 التي تنبأت بتحول طبيعة الصراعات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
بل هي تجسيد لنموذج جديد من التعاون جنوب-جنوب يمتلك القدرة على إعادة تشكيل الممرات التجارية، ووضع معايير تكنولوجية جديدة، للتأثير في هيكل القوة في النظام الدولي المنتظر تشكله، وبالتالي لا يجب أن تكون دول الجنوب تابعة بقدر ما هي مشاركة في تشكيل هذا النظام من خلال الاستفادة من المقومات الجيوسياسية التي تمتلكها.
وتبلور هذا النموذج في التعاون جنوب - جنوب، بشكل واضح في مبادرة الحزام والطريق التي تمثل رؤية صينية عالمية، ولكنها وجدت صدى لدى الإمارات الدولة التي تسعى لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية، وتعتمد على نموذج تنموي لتحقيق طموحاتها الاقتصادية العالمية.
فالإمارات لا تمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجياً فحسب، بل أسست على مدى عقود بنية تحتية عالمية المستوى، وبيئة تنظيمية وتشريعية جاذبة لرأس المال الأجنبي، فموانئ دبي العالمية بخبرتها التشغيلية في أكثر من 40 دولة، توفر للصين منصة مثالية لتنفيذ مشاريعها بكفاءة وموثوقية في منطقة تتسم بالتقلبات الجيوسياسية.
هذا التوجه ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو استجابة حتمية للتحولات البنيوية في النظام الدولي، ففي ظل ما ينظر إليه كتراجع نسبي في اليقين بشأن الالتزامات الأمنية الأمريكية طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
والتحولات في أولويات واشنطن الاستراتيجية تسعى الإمارات إلى بناء سياسة خارجية أكثر استقلالية ومرونة. تمنح الشراكة مع الصين دولة الإمارات عمقاً استراتيجياً حيوياً، توفر العلاقة مع بكين ثقلاً موازياً، وتفتح آفاقاً جديدة تدعم طموحات الإمارات في التحول إلى اقتصاد ما بعد النفط.