الملتقى الفكري الإماراتي الصيني

شاركت خلال هذا الأسبوع بالعاصمة الصينية بكين في ملتقى يناقش التأثير الإيجابي للشراكة الإماراتية - الصينية في توفير فرص النهوض التنموي لدول الجنوب العالمي.

والمقصود بدول الجنوب هنا هي دول آسيا وأفريقيا وآسيا الوسطى، أي جنوب العالم، وقدرتها على التعاون فيما بينها للنهوض بمجتمعاتها، في ظل ما تمتلكه هذه الدول من مقومات اقتصادية وفرص تنافسية وإمكانيات استراتيجية داعمة ومتلائمة والطبيعة الجيوسياسية لها.

استمرت جلسات المؤتمر الذي نظمته سفارة دولة الإمارات في الصين، بالتعاون مع المراكز الفكرية الصينية، لمدة ثلاثة أيام واجتمعت فيه شخصيات أكاديمية وبحثية من البلدين (الإمارات والصين) لمناقشة مواضيع مختلفة كلها تصب في حالة التحول الذي يشهده النظام الدولي وانتقال صراعات الدول من الحالة التقليدية إلى الصراع على الموارد وظهور أدوات جديدة لهذا النوع من الصراع لم يعد فيه عامل الجغرافيا حاجزاً بعد أن أصبحت التكنولوجيا بمفهومها الشامل هي السلاح الجديد.

والسيطرة على طرق الإمداد والممرات الدولية هي معايير قوة الدولة وليس المساحة أو التعداد السكاني فقط، كما كان الحال قبل ظهور نظرية الجيواقتصادية في عام 1990 التي تنبأت بتحول طبيعة الصراعات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

واحدة من أهم الأفكار التي ترددت في هذا المؤتمر القيّم أن الشراكة الاستثمارية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية لا تمثل مجرد تعاون اقتصادي بين قوة صاعدة عظمى هي الصين وقوة إقليمية محورية هي دولة الإمارات.

بل هي تجسيد لنموذج جديد من التعاون جنوب-جنوب يمتلك القدرة على إعادة تشكيل الممرات التجارية، ووضع معايير تكنولوجية جديدة، للتأثير في هيكل القوة في النظام الدولي المنتظر تشكله، وبالتالي لا يجب أن تكون دول الجنوب تابعة بقدر ما هي مشاركة في تشكيل هذا النظام من خلال الاستفادة من المقومات الجيوسياسية التي تمتلكها.

وتبلور هذا النموذج في التعاون جنوب - جنوب، بشكل واضح في مبادرة الحزام والطريق التي تمثل رؤية صينية عالمية، ولكنها وجدت صدى لدى الإمارات الدولة التي تسعى لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية، وتعتمد على نموذج تنموي لتحقيق طموحاتها الاقتصادية العالمية.

الإمارات بالنسبة للاستراتيجية الصينية العالمية ليست مجرد محطة عابرة في رؤية الحزام والطريق، بل هي نقطة مركزية تحقق التكامل بين طريق الحرير البحري وباقي أسواق دول الجنوب - جنوب، لهذا يمكن القول إن اختيار الصين للإمارات استند إلى ما يسميه المنظرون الميزة التنافسية للموقع.

فالإمارات لا تمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجياً فحسب، بل أسست على مدى عقود بنية تحتية عالمية المستوى، وبيئة تنظيمية وتشريعية جاذبة لرأس المال الأجنبي، فموانئ دبي العالمية بخبرتها التشغيلية في أكثر من 40 دولة، توفر للصين منصة مثالية لتنفيذ مشاريعها بكفاءة وموثوقية في منطقة تتسم بالتقلبات الجيوسياسية.

على الجانب الآخر، تنظر الإمارات إلى هذه الشراكة كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الوطنية الكبرى التي تتجاوز مجرد تنويع الاقتصاد والشركاء لتشمل إعادة تموضع جيوسياسي مدروس، وهو ما يعرف بالتوجه شرقاً..

هذا التوجه ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو استجابة حتمية للتحولات البنيوية في النظام الدولي، ففي ظل ما ينظر إليه كتراجع نسبي في اليقين بشأن الالتزامات الأمنية الأمريكية طويلة الأمد في الشرق الأوسط.

والتحولات في أولويات واشنطن الاستراتيجية تسعى الإمارات إلى بناء سياسة خارجية أكثر استقلالية ومرونة. تمنح الشراكة مع الصين دولة الإمارات عمقاً استراتيجياً حيوياً، توفر العلاقة مع بكين ثقلاً موازياً، وتفتح آفاقاً جديدة تدعم طموحات الإمارات في التحول إلى اقتصاد ما بعد النفط.