ينقسم العالم إلى أكثر من مئتي دولة، منها 193 دولة أعضاء في منظمة الأمم المتحدة. ولا يتوقف تقسيم العالم إلى دول، بل إن هناك تقسيماً آخر جيوسياسياً للعالم تعتمده دراسات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهو ينطلق من مفهوم «الإقليم» والذي يضم عدداً من الدول أكثر من اثنتين، ويجمعها عدد من الخصائص المشتركة.
وعلى تعدد العناصر التي اعتمدتها مختلف الدراسات المتخصصة لاعتبار مجموعة من الدول «إقليماً» متجانساً، فإن المشترك بينها جميعاً هو عنصر طبيعي، وهو التجاور والالتحام الجغرافي.
وبعد هذا العنصر الأساسي، تفرد كل من هذه الدراسات الأولوية لما تراه عناصر أخرى مكملة لاعتبار مجموعة من الدول «إقليماً»، فبعضها يضيف التشابه القومي والثقافي والتاريخي واللغوي وغيرها.
بينما يضيف البعض الآخر التشابه في الأنظمة السياسية والسياسة الخارجية، ويذهب غيرهم إلى اشتراط مستوى عال من التفاعلات السياسية والاقتصادية والتجارية بين دول «الإقليم»، وينتهي آخرون إلى إضافة «الشعور» بداخل دول «الإقليم» بانتماء له ومصالح لهم في هذا الانتماء.
وقد تنوعت بناء على هذه الدراسات أعداد ونطاقات الأقاليم التي رأى كل منها أنها الرئيسية في عالمنا المعاصر، فتم الحديث عن إقليمي غرب أوروبا وشرقها، وإقليمي جنوب وجنوب شرق آسيا، وإقليمي غرب وشرق أفريقيا، وإقليمي الأمريكتين وأمريكا اللاتينية، وأخيراً إقليم الشرق الأوسط.
ويضم هذا الإقليم الأخير، والذي هو إقليمنا، بحسب الخبراء 17 دولة، كلها عربية عدا إيران وتركيا، وهو يمتد من مصر غرباً ليشمل كل المشرق العربي ودول الخليج، بما في هذا إسرائيل، وتطل دوله على الخليج العربي، والبحر الأحمر، وبحر العرب، والبحر المتوسط.
وبالطبع توجد ملاصقة لهذا الإقليم ومتداخلة معه، والذي ظهر مسماه في القارة الأوروبية في النصف الأول من القرن العشرين، بقية الدول العربية الموجودة في شمال وغرب أفريقيا، والتي تعد مكملة له.
وبمقارنة ما يجري في إقليمنا حالياً من تطورات شديدة الخطورة ناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، مع ما تشهده بقية أقاليم العالم من نزاعات، نكتشف أنه الأكثر اشتعالاً وحروباً على الإطلاق، بما بات يهدد أمنه وأمن العالم كله.
وفي إقليمنا بخلاف كل أقاليم العالم، تنفرد دولة واحدة، وهي إسرائيل، بعدم قدرتها خلال ستة وسبعين عاماً من قيامها، أن تقيم علاقات «طبيعية» ومستقرة مع الإقليم ودوله. صحيح أن دولاً عقدت معها معاهدات سلام وأخرى أقامت معها علاقات «شبه طبيعية».
إلا أن صانع القرار الإسرائيلي لم يعط هذه المعاهدات والعلاقات قدرها، فيسعى لحل القضية المركزية، وهي القضية الفلسطينية، التي توليها جميعاً اهتمامها الأول وتعتبر أن حلها بإقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل هو الحل الجذري لها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهو السبيل الوحيد لإطفاء الصراع الأساسي في الإقليم.
وعلى العكس تماماً من هذا، صعدت الحكومة الإسرائيلية الحالية لدرجات غير مسبوقة منذ خمسين عاماً على الأقل، من عنفها وأعمالها العسكرية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ثم الآن لبنان وشعبه.
وعلى الرغم من حدوث خلافات وبعض النزاعات بين بعض دول الإقليم من وقت لآخر، ولكنها لم تصل إلى حد الصراع المسلح إلى في حالات نادرة للغاية، كان أبرزها الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وبذلك انفردت إسرائيل بعلاقاتها «غير الطبيعية» مع دول الإقليم بصفة عامة، وهو ما لا يعرفه أي إقليم آخر في العالم، وهو ما اتخذ منحى أكثر خطورة خلال الأيام الماضية.
ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعدها بيوم واحد عقب إعلان اغتيال زعيم «حزب الله» اللبناني، كرر رئيس وزراء إسرائيل تهديده ليس فقط لإيران، بل لكل دول إقليم الشرق الأوسط بنص قوله:
«لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة، واليوم أنتم تعرفون بالفعل مدى صحة ذلك».
لا يثير هذا «التهديد» الجماعي خوف دول المنطقة، شعوباً وحكومات، فهي قادرة على اتخاذ ما يلزم للدفاع عن نفسها، ولكنه يثير قدراً هائلاً من الشكوك حول نية وقدرة هذه الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، على الاندماج في الإقليم عبر قبول الحل الشامل والعادل والنهائي للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الدولية..
وهو الأمر الذي يبدو في ظل أداء هذه الحكومة خلال العام المنصرم، وتصريحات رئيسها الخطيرة، أبعد ما يكون عن الواقع العملي، بل يبدو مبتعداً عنه بسرعة مخيفة، قد تخلخل كل أركان الاستقرار والسلم والأمن في إقليمنا وكذلك في العالم.