الطلاق على الإبراء!

قرأت عدداً كبيراً من الكتب التي انتقدت جماعات الإسلام السياسي، سواء كانوا من «الإخوان»، أو من السلف، أو من التبليغ، كان الكُتاب من الرجال، ولكنني لم أجد أبلغ من كتاب ناهد إمام الذي يحمل عنوان (صندوقي الأسود)! ليصف المشروع (التغييبي) لهذه الجماعات!

تسرد هذه السيدة قصتها مع هذه الجماعات من موقع معايشتها الطويلة، وتعدد المدارس التي انتمت إليها، وتصف العلاقات الداخلية لهذه الجماعات، قسوتها وتعقيدها وشعوذتها والأهم تناقضها!!

ناهد إمام من طبقة ميسورة في مدينة القاهرة، نشأت في السبعينيات وما بعدها من سنوات، لوالد هو مدرس لغة إنجليزية، انتدب إلى بعض دول الخليج في عدد من المراحل في الثلث الأخير من القرن الـ 20، وانتقلت معه في مرحلة مراهقتها، ثم عادت إلى القاهرة، وقد حصلت الأسرة على دخل إضافي استطاعت أن تضع نفسها في الطبقة المتوسطة كما تصف الكاتبة.

دخلت تجربة «الإخوان» مبكراً، وهي في الجامعة، وتحجبت، ثم تنقبت، ثم تزوجت بإخواني، تقول: (إنك في جماعة الإخوان لا تستطيع أن تختار زوجك أو زوجتك، هذا تقرره الجماعة).

ولأن ناهد داكنة البشرة، فإنها لم تكن من المتقدمات في سلم الزواج، لأن الإخواني كما تقول يريد زوجة (إذا نظر إليها سرّته)، أي أنها (البيضاء البضة)! وخوفاً من التأخر في الزواج، قبلت زوجاً كما تصف: (محدود الدخل، وغير مناسب للأسرة)، ومع رفض الوالد لهذه الزيجة، سعت ناهد إمام للزواج بكل إصرار، ولكنه كان زواجاً مدمراً لحياتها.

تقول بالنص: (في جماعة الإخوان أنت لا تتزوج بإرادتك، بل وفق ترشيحات الجماعة لك، فالجماعة ليست تنظيماً أيديولوجياً فحسب، بل كياناً بيولوجياً أيضاً، فالإخواني لا بد أن يتزوج إخوانية، ومن ثم فإن المسؤول أو المسؤولة عنك يتولى ذلك)، إلا أن معاملة الزوج كانت قاسية، إلى درجة لا تطاق، حتى عندما انتدبا للعمل في الصحافة في إحدى دول الخليج، قرر أن يأخذ منها مبلغاً من المال، لأنه يوصلها بسيارته إلى عملها، تقول: (إنهم بالفعل يحملون أمراض مجتمعاتهم وأنماط التفكير العنصرية والخاطئة، بلا تغيير ولا فوارق، إنها عقول ملتاثة)!

بعد طلاقها وقد خلفت عدداً من الأبناء، التقت بآخر من جماعة التبليغ (دونجوان) كما تصف، تبين أنه متزوج قبلها بعشر نساء!! تصف هذه الجماعة وصفاً من داخلها، فقد وجدت رجلاً يتبع مجموعة من الناس، تقريباً تحرم كل شيء، حتى لبس البنطال للرجال! كانت تذهب إلى المصليات الخاصة بهذه الجماعة، وتصلي على جلود الأغنام أو الحصر البلاستيكية، مع أخوات سلفيات من مختلف الشرائح، ولا عجب أن بعض هؤلاء النساء ينتمين إلى طبقات مختلفة، منهن كما تقول: (طبقة الأثرياء يرتدين النقاب ويركبن في سيارات فارهة، لم تكن تحتمل الحارة الضيقة الكائن بها المسجد دخولها ويقمن بصفها في الشوارع الرئيسية في المنطقة)!

تقول السيدة ناهد إنه بعد معايشتها للرجل السلفي: (لم أعد أصدق بسهولة كما السابق أن جماعة التبليغ والدعوة في مصر لا شأن لها بالسياسة، فكثيراً من المنتمين إليها لديهم توجهات سياسية).

تتحدث عن تجربتها مع الإخوان فتقول إنهم يخفون الإخواني المتفوق في الدراسة، ويتشرطون أن لا يعلن عن نفسه أنه من الجماعة حتى يستطيع أن يلتحق بالجامعة كمدرس، ومن ثم يستولي على عقول الشباب.

ترى ناهد إمام أن هذه الجماعات لها أجندات سياسية وهم: (تيار ذكوري قح يلصق تصوراته الريفية عن المرأة بالإسلام).

في الحالتين، عندما طلبت الطلاق، كان عليها أن توقع وثائق تتنازل فيها عن كل حقوقها، لأن هذا الطلاق الذي يطلب من المرأة هو (طلاق الإبراء)، كما تقول، وبالتالي عادت ناهد في كلتا التجربتين خالية الوفاض، إلا من دموعها وحسراتها.

تروي أن أحد أعضاء جماعة الإخوان الكبار كان له زوجة تحدثت عن رأيها في المرشد بشكل سلبي، فأصرت الجماعة على الإخواني الكبير أن يطلق الزوجة فلم يفعل، ففصل وتمت محاربته في رزقه، وأمروا كل الإخوان بسحب قضاياهم من مكتبه، كونه محامياً كبيراً.

حال الانسحاب من العالم الذي تشكله هذه الجماعات، وتكوين مجتمع هلامي قائم على ظاهر وباطن سرعان ما يكتشف الأذكياء ممن يدخلونه، أنه متناقض، يقول ما لا يفعل، ويفصل الفرد عن مجتمعه وزمانه، ذاك ما يمكن أن يخرج به القارئ من هذا الكتاب المهم، الذي يعبر عن فئة واسعة من شباب وشابات أخذوا من السياق العام، لكي يدخلوا في متاهات لا يخرجون منها إلا وهم حطام منثور.