يقولون إن أقرب الناس إليك أقدرهم على إيذائك، ولعل هذا يفسر لماذا تتعثر بعض النساء على يد نساء مثلهن، قبل أن يوقفهن الرجل أو المجتمع. قد أظهرت دراسات أن النساء في المناصب العليا لا يمددن يد العون للمنضمات الجديدات في بيئة العمل بالقدر الذي كان يُنتظر منهن.
النتائج البحثية تشير إلى ثلاثة دوافع أساسية وهي: «التهديد التنافسي»، و«التهديد الاجتماعي»، و«شبهة المحاباة»، بحسب تقرير لمجلة «التايم».
فعندما يقل عدد النساء في بيئة عمل، تنشأ حالة من «التهديد التنافسي»، إذ تتحول كل موظفة إلى معيار تقاس عليه الأخريات، فيعلو نجم واحدة ويخفت بريق البقية.
وربما يكون السبب أن بعض المسؤولات في البيئات المحدودة الفرص يصبحن أكثر صرامة في تقييم زميلاتهن مقارنة بالرجال، نتيجة الشعور بندرة المقاعد المتاحة.
أما التهديد الجماعي فيظهر حين تخطئ إحداهن، فيُعمم الحكم السلبي على جميع النساء وكأن خطأً فردياً يلطخ سمعة جماعية. وقد رُصدت حالات مشابهة في الحياة السياسية حين ارتبط خطأ فردي لسياسية واحدة بانتقادات شاملة ضد النساء، رغم أن البيانات تؤكد أن نسب الفساد بين الرجال أعلى.
وأما شبهة المحسوبية، فتنبع من خشية تفسير دعم مسؤولة زميلتها الجديدة على أنه مجرد «تحيز نسائي»، ما يدفع كثيرات إلى التردد في لعب دور المرشدات. وقد أوضحت دراسات متخصصة أن هذا القلق يحرم النساء من فرص ثمينة في التوجيه والدعم المهني.
هذا يفسر جانباً من تساؤل كثيراً ما أطرحه على الموظفات في دوراتي: هل تفضلين مديراً رجلاً أم امرأة؟ فيميل أغلبهن نحو الرجل، والسبب كما يردد بعضهن أن «الرجل أقل غيرة من النساء».
وقد دعمت استطلاعات غالوب العالمية هذا التوجه، إذ بينت أن أربع نساء من كل عشر يفضلن مديراً رجلاً، مقابل نحو ربعهن يفضلن مديرة، في حين قال ثلث النساء -تقريباً- إن الأمر سيان عندهن، أما الرجال فالغالبية تميل نحو مدير رجل، ونسبة قليلة فقط اختارت مديرة. واللافت أن الفارق كان أوسع بكثير في خمسينيات القرن الماضي حين فضل ثلثا الموظفين المدير الرجل، لكن الفارق تضاءل في العقود الأخيرة لمصلحة خيار «لا فرق».
غير أنه من الإنصاف القول إن الرجال ليسوا أبرياء من إعاقة مسيرة المرأة؛ فبعضهم لا يزال يمانع تعليمها أو يرفض تدريبها بحجج واهية، فيضيع على المجتمع نصف طاقته.
وقد قرأنا جميعاً تقارير كشفت أن نسبة النساء في مجالس الإدارة في منطقتنا لا تتجاوز بضعاً في المئة، وهي من أدنى النسب عالمياً. واللافت أن تلك المشكلة موجودة في اليابان التي تعاني قلة صعود المرأة لمناصب عليا.
الأسوأ أن ينظر بعض القياديين إلى المرأة على أنها «متهمة حتى تثبت براءتها»، فلا يمنحونها الفرصة العادلة. ولهذا يلجأ مشرعون في دول عدة إلى فرض «كوتا» نسائية لضمان وصولها إلى بعض المناصب.
وقد أثبتت تجارب دول مختلفة نجاح هذا النظام في رفع نسب مشاركة النساء بصورة لافتة، حتى وصلت في بعضها إلى مستويات غير مسبوقة، وإن كنت شخصياً أتفهم هذا التوجه كونه خياراً مرحلياً، لكنني لا أحبذه خياراً دائماً.
الخلاصة أن معركة المرأة ليست مع خصم واحد؛ فهي في مواجهة منافسة نسائية غير صحية أحياناً، وأحكام مجتمعية جائرة، ورجال يرفضون منحها حق التجربة. وإذا أردنا لمجتمعاتنا أن تزدهر، فعلينا أن نتجاوز هذه الدوامة، ونبني بيئة عمل تقاس فيها الكفاءة بالعطاء، لا بالجنس ولا بالتحيز.