تعد مصر من أوائل الدول العربية، إنْ لم تكن أولاها على الإطلاق، لجهة تأسيس كليات للتربية البدنية في جامعاتها العديدة، التي لا تكاد تخلو أي منها من كلية للتربية البدنية أو العلوم الرياضية حالياً. بدأت القصة في عام 1937 حينما أسست وزارة المعارف المصرية قسماً للتربية الرياضية بمعهد التربية بهدف إعداد معلمين للتربية البدنية.
كانت مدة الدراسة وقتذاك ثلاث سنوات، يحصل بعدها الطالب على الدبلوم، ثم أصبح القسم بدءاً من عام 1952 تابعاً لكلية التربية بالأورمان، وانتقل مقره إلى هناك مع تغيير اسمه إلى «المعهد العالي للتربية البدنية للمعلمين».
وفي عام 1975 تأسست جامعة حلوان بموجب القرار الجمهوري رقم 70، فانضم إليها المعهد تحت اسم «كلية التربية الرياضية للبنين»، وصار مقره منطقة الهرم في محافظة الجيزة. ولهذا قيل إن في جامعة حلوان كليات يعود تاريخها إلى زمن أبكر بكثير من زمن تأسيس الجامعة نفسها.
من ناحية أخرى تضم جامعة حلوان أيضاً أقدم كلية للتربية الرياضية للبنات في العالم العربي، ومقرها الحالي بحي العجوزة في القاهرة، إذ يعود تاريخ تأسيسها كقسم داخل مدرسة الأميرة فوزية (في حديقة الزهرية أمام برج القاهرة) إلى عام 1947، لكنها تحولت في العام نفسه إلى معهد مستقل باسم «معهد التربية الرياضية للبنات» بدعم من الأميرات، ثم تحولت إلى «كلية التربية الرياضية للبنات» التابعة لجامعة حلوان.
أما كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة في جامعة بغداد، فهي الكلية الأم والأقدم والأعرق في الجامعة وفي العراق، إذ يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1938 حينما تم افتتاح قسم خاص بالتربية الرياضية بدار المعلمين العالية، قبل أن يُلحق الدار والقسم بجامعة بغداد ككلية من كلياتها بُعيد تأسيسها عام 1957.
ما سبق كان توطئة للحديث عن أول شاب قطري يُسجل كطالب بالمعهد العالي للتربية الرياضية للبنين في القاهرة، وإنْ لم يواصل دراسته فيه، لأسباب سنتبينها لاحقاً، وأول قطري ينال بكالوريوس التربية الرياضية من جامعة بغداد. هذا الشاب هو «أحمد بن علي بن أحمد الأنصاري».
والده هو علي بن أحمد الأنصاري، أول وزير للعمل والشؤون الاجتماعية في دولة قطر في التشكيلة الوزارية الأولى برئاسة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، رحمه الله، ويُعتبر من رجالات قطر المشهود لهم بالكفاءة والانضباط والسيرة العطرة المعجونة بالكفاح من أجل الارتقاء بالذات، حيث تنقل في شبابه من بلد إلى بلد سعياً وراء التعليم والرزق الحلال والخبرة، فعاش ودرس وعمل في البحرين والمملكة العربية السعودية. وفي الأخيرة عمل مسؤولاً في جماركها. كما أنه عمل مديراًً لجمارك زكريت ومديراً لجوازات قطر، ولذا عُرف في الأوساط الشعبية باسم «علي المدير».
يخبرنا الأنصاري (المترجم له)، في كتاب صغير من 148 صفحة، أصدره في عام 2021 بعنوان «الشباب وحديث الذكريات» أن والده كان حريصاً على تعليم أولاده وإلحاقهم بأفضل المدارس، منذ أن كان يعمل مديراً لجمارك «زكريت» القريبة من حقول النفط في دخان، والواقعة على بعد 90 كيلومتراً شمال غرب الدوحة.
واصطحبه والده للدراسة في البحرين، التي كان يعرفها حق المعرفة؛ لأنه (أي والده) درس هناك في طفولته وشبابه. ويستطرد الأنصاري فيقول إنه وإخوته رفضوا الالتحاق بإحدى المدارس الابتدائية في البحرين، وخافوا من التغرب بسبب صغر سنهم. ولهذا اقترح والدهم الكويت بديلاً عن البحرين، لكن النتيجة كانت نفسها.
ما حدث بعد ذلك أن والدهم قرر أن يذهب بهم إلى مدارس داخلية في لبنان، لكنه التقى صدفة في الكويت بأحد معارفه الكثر من رجالات الدولة السعودية، فاقترح الأخير عليه أن يصرف النظر عن لبنان، ويلحق أولاده بمدرسة معينة معروفة في البصرة.
ولم يكن صاحب هذا الاقتراح سوى الشيخ محمد الحمد الشبيلي الشهير باسم «السفير أبو سليمان»، كونه عمل في وظائف دبلوماسية رفيعة في المملكة العراقية والهند وباكستان وماليزيا وغيرها. وافق والد المترجم له على اقتراح الشبيلي، الذي كان وقتها يشغل منصب القنصل السعودي في البصرة، وأودع ابنيه أحمد ومحمد بالقسم الداخلي بمدرسة النجاح الأهلية الابتدائية، على أن يلتحقا أولاً بمرحلة الروضة.
يقول الأنصاري إنه تعرف على مدير المدرسة السوري الجنسية «فؤاد قومي» وأسرته، وزامل في المدرسة ابنته نهلة قومي التي كانت في سنه، كما تعرف على العديد من العائلات الأخرى المقيمة آنذاك في البصرة، ومنها عائلة القنصل الشبيلي، وراح في إجازاته يخرج معهم إلى الحدائق والأسواق والمطاعم والمتنزهات، بينما كان والده يتردد عليهم كلما سنحت له الظروف.
واستمر على هذا الحال إلى أن افتتحت مدرسة ابتدائية في قطر في أوائل الخمسينيات زمن الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، الذي طلب من كافة أولياء أمور الطلبة الدارسين في الخارج ــ ومن بينهم والده ــ أن يعيدوا أبناءهم إلى البلاد لإلحاقهم بالمدرسة المؤسسة حديثاً في الدوحة.
وبالفعل عاد أحمد الأنصاري وشقيقه محمد من البصرة، التي طاب لهما الحياة والدراسة فيها لسنوات، من أجل أن يكملا دراستهما الابتدائية والمتوسط والثانوية في قطر.
وفي حديثه عن ذكرياته في مدرسته القطرية، أخبرنا أنه مارس مختلف الألعاب الرياضية المتاحة آنذاك، وخصوصاً كرة القدم. وأن الذي شجعه ورعاه وأتاح له فرصة الانضمام إلى فريق المدرسة لكرة القدم هو مدرس لبناني يدعى عمر الخطيب، وهذا بدوره شجعه على الانخراط لاحقاً مع زملائه بهمة ونشاط وتضحيات في عملية تأسيس الأندية الرياضية، ومنها نادي الهلال الذي تأسس على يده ويد زملائه في خمسينيات القرن العشرين بإمكانيات بسيطة لكن بطموحات عالية.
وكما كان يحدث دائماً في أندية زمان الرياضية، سرعان ما دب الخلاف بين مؤسسي نادي الهلال، فانفصل عنهم الأنصاري مع بعض من رفاقه وراحوا يؤسسون لناد جديد تحت اسم «الكفاح»، وهو ناد تمت دعوته ــ طبقاً له ــ إلى الدمام في عام 1957 للتباري في كرة القدم مع نادي الاتفاق السعودي (بطل دوري المنطقة الشرقية وقتذاك) على كأس مقدمة من عائلة القصيبي.
وفي هذا السياق أخبرنا أن إمكانياتهم لم تكن تسمح بالسفر إلى الدمام، فراح يطلب المساعدة من الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، الذي أمر لهم بحافلة تنقلهم إلى الدمام، حيث حلوا حينذاك ضيوفاً على أمير المنطقة الشرقية في تلك الفترة سعود بن عبدالله بن جلوي، وفازوا على فريق الاتفاق بحضور الملك سعود بن عبدالعزيز، رحمه الله، الذي تصادف وجوده في المنطقة الشرقية.
ويضيف أنه بعد تحقيقهم هذا الفوز وعودتهم إلى الدوحة تمت المصالحة بين نادي الهلال ونادي الكفاح وغيرهما من الأندية كنادي شباب قطر، واجتمع الشمل في كيان رياضي جديد تأسس عام 1958 تحت اسم «نادي الوحدة الرياضي»، وتم اختياره رئيساً للنادي.
ولد أحمد الأنصاري في قرية زكريت القطرية في الخامس والعشرين من ديسمبر 1944، ابناً لوالده المثقف ذي الإنجازات الكثيرة إبان عمله وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1963، وكان يرغب وقتذاك أن يلتحق بكلية الشرطة في القاهرة، لكن بعض الظروف حالت دون ذلك بحسب كلامه.
فسافر إلى مصر لدراسة الحقوق في جامعة القاهرة، التي قبلته فأمضى بها سنة دراسته يتيمة، ثم هجرها لأنه لم يجد نفسه فيها، لكنه أثناء وجوده في كلية الحقوق، تجدد حبه وعشقه للرياضة، فقرر تقديم أوراقه إلى المعهد العالي للتربية الرياضية بالقاهرة.
يقول الأنصاري إنه استوفى كافة شروط القبول بما فيها امتحانات اللياقة والقدرات، لكن المعهد حوّل أوراقه إلى المعهد العالي للتربية الرياضية بمنطقة «أبو قير» في الإسكندرية بحجة عدم توفر مكان له في القاهرة، ولهذا صرف النظر عن الموضوع، خوفاً من وحدة صعبة محتملة في الإسكندرية التي لم يكن يعرف فيها أحداً، ولم يكن بها أي طالب قطري وقتذاك.
عاد الأنصاري إلى الدوحة خالي الوفاض في منتصف عام 1964، فعمل أولاً موظفاً بجوازات «أمسيعيد»، ثم تمّ نقله إلى جوازات مطار الدوحة، حيث عمل لفترة قصيرة. وصادف في هذه المرحلة من حياته أنْ أصدر وزير التربية والتعليم في تلك الفترة الشيخ قاسم بن حمد آل ثاني قراراً وزارياً يقضي بعدم السماح للقطريين من حملة شهادات الثانوية العامة بالعمل، وبضرورة ذهابهم إلى الخارج لمواصلة دراستهم الجامعية على نفقة الدولة. ولحسن حظ الأنصاري، كانت هناك في عام 1964 بعثة دراسية إلى بغداد للمرة الأولى، مكونة من 19 مبتعثاً، وذلك للتخصص في مختلف العلوم بجامعة بغداد، ومنها تخصص التربية الرياضية. وهكذا انضم الأنصاري إلى البعثة ليكون المبتعث رقم 20، وتخرج في عام 1968 حاملاً درجة البكالوريوس، فكان أول مواطن قطري يحمل تلك الشهادة في تخصص التربية البدنية والرياضية.
في أعقاب عودته إلى بلاده مكللاً بشهادته، والكثير من المعارف الجانبية والتجارب الثرية التي راكمها خلال سنواته البغدادية، التحق بوزارة التربية والتعليم كمدرس لمادة التربية البدنية، ثم تمت ترقيته إلى وظيفة مفتش للتربية الرياضية في عام 1970، كما شغل منصب مندوب دولي للكشافة القطرية، ومنصب مدير عام إدارة رعاية الشباب، ومنصب نائب رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم.
وإبان عمله مدرساً، عاد إلى ناديه الرياضي (الوحدة) كمدرب لفريقه الأول في كرة القدم، كما مارس التحكيم في الدوري القطري العام لكرة القدم، ناهيك عن لعبه مباراة واحدة مع المنتخب الوطني لكرة القدم سنة 1968. علاوة على ذلك كله انشغل الأنصاري بالإعلام الرياضي المرئي، فقدم في الفترة من 1969 إلى 1970 من تلفزيون قطر برنامجاً تلفزيونياً يعنى بالشباب والرياضة. ومن جانب آخر كانت للأنصاري مساهمات مشهودة في وضع اللوائح والتنظيمات والقوانين الخاصة بالشأنين الرياضي والكشفي، من خلال عضويته في العديد من اللجان والاتحادات الرياضية المحلية والعربية والإقليمية.
أثمر نشاط الأنصاري الطويل والناصع في المجال الرياضي عن حصوله على العديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير والتكريم، ومن أهمها: ميدالية القادة من مجلس وزراء الشباب العرب، ودرع اليوبيل الفضي بمناسبة مرور 25 سنة على تأسيسه، في عام 2003، والميدالية الذهبية وشهادة التقدير من اللجنة العليا المنظمة لكأس الخليج العشرين بصنعاء سنة 2021، ووشاح الامتياز لكبار القادة الرياضيين في دول مجلس التعاون الخليجي، في البحرين سنة 2013، وشهادة تقدير من وزارة التربية والتعليم العالي القطرية في عام 2001 نظير جهوده في إثراء الحركة الرياضية المدرسية.
وفي أواخر الستينيات، عاوده الحنين إلى الدراسة، فذهب إلى مصر مجدداً، لكن هذه المرة لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، التي حصل منها على درجة البكالوريوس في عام 1969. ولهذا انتقل للعمل بوزارة الخارجية القطرية، وتدرج في مناصبها إلى أن تم تعيينه في العام 1979 سفيراً لبلاده مقيماً في الباكستان وغير مقيم في جاكرتا وكوالالمبور. وظل كذلك حتى عام 1989 الذي شهد انتقاله إلى مسقط كسفير لقطر لدى سلطنة عمان حتى عام 1993. بعد ذلك شغل منصب السفير لدى إيران في الفترة من 1993 وحتى 1996، وهو العام الذي نُقل فيه من طهران إلى روما للعمل كسفير مقيم لبلاده في إيطاليا، وسفير غير مقيم لدى مالطا وجمهورية البوسنة والهرسك حتى عام 2000. والجدير بالذكر هنا أن أخاه الأصغر، محمد علي أحمد الأنصاري، عمل في الخارجية القطرية أيضاً، وأسس سفارة قطر في ألمانيا وقادها كأول سفير من عام 1974 إلى عام 1981، كما تولى قيادة السفارة القطرية في طوكيو.