مدارسنا بين الصيف والشتاء

جاء التقويم المدرسي لعام 2025 الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم بتغيير النسب بين إجازات الصيف والشتاء، بحيث ازدادت أيام الإجازات في الشتاء وقلت مثيلتها في الصيف ليفتح الباب أمام إعادة التفكير في العديد من المسلّمات التي تعودنا عليها بحكم التقليد والعادة دون تفكير متعمق في مدى مناسبتها لمجتمعنا وثقافتنا.

فقد تعودنا أن تكون الإجازة المدرسية الكبيرة في فصل الصيف تقليداً للمجتمعات التي سبقتنا في العالم العربي، وتلك المجتمعات كانت بدورها تقلد المجتمعات الأوروبية التي كان تقويمها المدرسي يجعل الدراسة في الشهور الباردة شديدة الصقيع.

والتي لا يستطيع الأطفال والشباب أن يستمتعوا فيها بالبيئة المحيطة، أو يمارسوا الألعاب خارج البيت، لذلك تكون الدراسة في الشهور التي يصعب فيها الخروج من البيت نظراً لظروف الطقس البارد، على العكس من فصل الصيف حيث تكون الأجواء مناسبة لممارسة الحياة خارج البيت.

نقلنا نحن العرب التقويم المدرسي عن أوروبا وأمريكا دون تفكير في خلفيات هذا الاختيار وأسبابه عندهم، وتكيفنا مع هذا الواقع، وأعدنا تنظيم حياتنا طبقاً له، على الرغم من أن طبيعة وظروف مجتمعنا في الصيف تشبه في حقيقتها بيئة أوروبا وأمريكا في الشتاء من حيث صعوبة الخروج من الأماكن المغلقة، لأن حرارة الجو في مجتمعاتنا تشبه في صعوبتها برودة الجو عندهم، وهم يتغلبون على تلك البرودة بالتدفئة ونحن نتغلب على الحرارة بالتكييف.

هذا الوضع أعاد تشكيل مفهوم الإجازة عندنا لتصبح نوعاً من الهجرة الموسمية إلى خارج بلادنا، فأصبحت الإجازة الصيفية مرتبطة بالسفر إلى مختلف بقاع الأرض طبقاً للميزانيات والإمكانات، وبذلك أصبح جزء كبير من ثرواتنا وثروات أوطاننا يتم ضخه في اقتصادات دول أخرى.

وأما من لم يسافر خلال الصيف فيجد وأسرته أنفسهم يبحثون عن الأماكن المغلقة حيث التكييف، ويجلس أولادنا ساعات طوال على شاشات الوسائل الإلكترونية دون حركة أو نشاط.

إعادة النظر في التقويم المدرسي وزيادة مدة إجازة الشتاء وتقليل مدة إجازة الصيف خطوة على طريق تصحيح هذا الوضع غير الطبيعي، حيث سوف يعطي التقويم المدرسي الجديد فرصة أكبر للأطفال والشباب للحركة والنشاط خارج البيت، والاستمتاع بالأجواء الرائعة لبلادهم في فصل الشتاء.

ويجعل الأسر تقوم بالسياحة داخل الدولة لتستكشف جمال بلادنا وروعتها، ومن ثم تتم الاستفادة من ذلك اقتصادياً لصالح دولتنا، وفي المقابل يقضي الأطفال والشباب وقتاً أطول من فصل الصيف في المدارس وتتم حمايتهم من ضياع الوقت في الألعاب الإلكترونية أو استهلاك الوقت خلف الشاشات.