التراث وألعاب الماسترز أبوظبي 2026

عندما أعلن عن استضافة أبوظبي لألعاب الماسترز 2026، بدا الحدث للوهلة الأولى حدثاً رياضياً دولياً متعدد الرياضات، غير أن قراءة أعمق تكشف أنه مشروع حضاري شامل، يرسم صورة دولة الإمارات في بعدها الثقافي والتراثي، ويفتح أمامها آفاقاً جديدة للتأثير في العالم عبر الرياضة باعتبارها لغة إنسانية مشتركة. يجسد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، برمزيته القيادية معنى هذا الحدث المتفرد في توجهاته وتوجيهاته التي تكرست يوم زيارة سموه لمعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، حين ارتدى السوار الرسمي لألعاب الماسترز. تلك اللحظة البسيطة في ظاهرها حملت دلالات عميقة، لأنها أكدت أن الرياضة في رؤية القيادة مشروع مجتمع وذاكرة وهوية راسخة، وأن رعاية هذا الحدث العالمي هي دعوة إلى تمازج الثقافات وتلاقي الشعوب تحت مظلة القيم الإماراتية الأصيلة.

ألعاب الماسترز التي ستستضيفها أبوظبي فبراير 2026 حدث ومنصة تجمع أكثر من 25 ألف مشارك من مختلف القارات في أكثر من 30 رياضة، لتتحول العاصمة الإماراتية إلى فضاء رحب للقاء الإنساني. وفي قلب هذه الفعالية يلفت انتباهي وانتباه كل المشتغلين في التراث ركن بالغ الأهمية، وهو توظيف وإدماج الرياضات الشعبية الإماراتية والألعاب التراثية في برنامج دولي بهذا الحجم.. وهنا يكمن تميز التجربة الإماراتية، فهي تدفع به إلى فضاء العالم، حيث تتألق سباقات الهجن، والصقارة، وسباقات القوارب الشراعية، وتصبح رسائل حضارية تروي قصة هذا الشعب العظيم أمام الإنسانية جمعاء.

حين نتمعن في جوهر هذه الرياضات، نجد أنها نصوص ثقافية حية تحمل في تفاصيلها فلسفة العيش، الذي اختبره الإنسان الإماراتي على مر العصور، العيش في البحر والصحراء والجبل. سباق الهجن، من وجهة نظري استعادة لعلاقة إنسان الإمارات بجمله، الذي كان وسيلة حياة ورفيق سفر، فصار اليوم رمزاً للوفاء والصبر والتحمل. كذلك سباق المحامل الشراعية الذي يعيد إلى الأذهان صورة البحر وهوية الصيادين الذين شكلوا معركة يومية مع الموج والعمق، فأهدوا العالم لآلئهم البيضاء، تماماً كما يهدونه اليوم إرثاً رياضياً متجدداً.

إدخال هذه الرياضات في حدث عالمي يعني تقديم التراث في صيغة معاصرة، وتأكيد أن الهوية الإماراتية قادرة على الانفتاح وهي متجذرة في أرضها.. من هنا تتحول ألعاب الماسترز إلى مختبر حضاري يجمع بين الماضي والحاضر، ويظهر للعالم كيف يمكن للتاريخ أن يصبح طاقة مستقبلية.

لقد تابعت العديد من التقارير والدراسات التي تؤكد أن الرياضة أصبحت اليوم أداة دبلوماسية بامتياز، فهي تبني الجسور حيث تعجز السياسة، وتفتح الأبواب حيث تسود الحواجز. وإذا كان التراث لغة الذاكرة، فإن الرياضات الشعبية، حين تدخل فضاء الألعاب العالمية، تتحول إلى لغة مشتركة تترجم إنسانية الشعوب.. وكذلك فإن الطفل الذي يشاهد سباق الهجن، أو الطالب الذي يتابع سباق المحامل الشراعية، سيتخيل ويقرأ في هذه الأفعال سيرة وتاريخ مجتمعه الإماراتي الأصيل.

دعم القيادة الإماراتية لهذا المشروع يضع على عاتق المؤسسات الثقافية والتعليمية والرياضية، والشركات ومؤسسات المجتمع مسؤولية كبرى.. فالحدث شأن وطني جامع يقتضي أن تلتف حوله الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية والجمعيات، حتى يتحول إلى ورشة متكاملة تسهم في توثيق التراث وتعليمه للأجيال الجديدة. وينبغي أن تعرض الألعاب الشعبية في ساحات المنافسة، وأن تدرس وتوثق جميع رياضاتنا الشعبية التراثية، وتدمج في مناهجنا ومناهج الإعلام الرقمي، حتى يجد الطفل نفسه وهو يرى لعبته التقليدية تتحول إلى رياضة عالمية.

من وجهة نظري إدماج هذه الرياضات في الماسترز إعلان حضاري أن الإمارات قادرة على تحويل ذاكرتها إلى قوة ناعمة، وأنها ترى في التراث استثماراً طويل الأمد يتجه إلى المستقبل.. كل لعبة شعبية هي نص مفتوح للقراءة العالمية، وكل منافسة تراثية جسر للتعارف والتبادل الثقافي.

أتصور أن أبوظبي في فبراير 2026 ستتحول إلى مسرح عالمي، حيث تتقاطع أصوات الصقور مع ضجيج الجماهير، ليولد نص جديد في ذاكرة الرياضة العالمية، نص يحمل توقيع الإمارات ويقول للعالم إن الرياضة تراث، وإن التراث رياضة، وإن الهوية الوطنية قادرة على أن تكتب حضورها بأكثر اللغات إنسانية: لغة الجسد في لحظة المنافسة.