قمة شنغهاي وتكوين النظام الدولي

الكثير من الأحداث والتفاعلات الدولية التي قد يعتبرها البعض عادية يمكنها أن تكون سبباً لتغيرات قادمة، وقد تؤدي تلك التفاعلات إلى صياغة استراتيجيات وطنية جديدة وفقاً لتقديرات قيادة البلد لتلك الأحداث..

فهل مخرجات قمة شنغهاي التي اختتمت أعمالها في بداية الشهر الجاري كانت سبباً في تغيير الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عقيدة وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، لتكون عقيدة هجومية مع تسميتها وزارة الحرب؟

يكفي التفاف رؤساء وقيادات دول كل من روسيا فلاديمير بوتين، وإيران مسعود بزشيكان، والهند ناريندرا مودي، وكوريا الشمالية كيم جونج أون، حول الرئيس الصيني شي جين بينج خلال القمة دون الأعضاء الآخرين الذين يبلغون 20 عضواً، حتى يمكن القول إن الحدث، الذي لفت انتباه كل مراقبي العالم.

لا يمكن أن يكون عابراً في ظل ما يحدث في العالم من تغيرات، بل البعض اعتبره مؤشراً مهماً لمعرفة السبب الحقيقي الذي دفع بالرئيس ترامب، لأن يعلن عن تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية، مع أنه لو نظرنا إلى ما كانت تفعله تلك الوزارة عملياً هو نفس الوظيفة التي يفترض أن تقوم به وزارة الحرب، وهو الهجوم.

من منظور استراتيجي، فإن قيام أي تحالف سياسي أو عسكري لدول معينة له أهدافه، منها العمل على ترتيب استراتيجي جديد، بما يتيح للحلفاء الجدد أن يتولوا موقعهم المناسب في النظام الدولي.

ولكن ما حدث في شنغهاي ليس تحالفاً، بل قمة سياسية، إلا أن مضمون الرسالة يشير إلى هذا التحالف الذي نشأ بسبب استياء أعضائه من سلوكيات دول أخرى، لأنها تنكر عليها مكانة دولية تستحقها من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، كما هو حال الصين وروسيا.

ومن تلك الأهداف أيضاً، إحساس بعض الدول بقلق على مصيرها الوطني بسبب عدم الضمان من تغير المواقف الاستراتيجية للدول الكبرى، ربما هذا الموقف كان واضحاً من جانب الهند، الحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية، ويكون الالتفاف هنا إذَن بهدف تدمير الموقف المضاد، والمقصود هنا الولايات المتحدة.

الصين التي ترفض دائماً أن تكون تحركاتها الصناعية والعسكرية موجهة ضد أحد في العالم، إلا أنه وباعتراف من وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، فهي تتقدم بثقة لتنافس الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً وتكنولوجياً.

فكيف أن يأتي العرض العسكري الصيني الضخم الذي حضره الرؤساء الخمسة، فإنه يكون من سوء فهم من الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تستوعب الرسالة الصينية ولم تغير استراتيجيتها، لأن أعضاء دول التحالف الجديد يشتركون في أن أمريكا هي الخصم المشترك لهم.

وبالتالي سوف يسعون إلى إضعاف تأثير السياسة الخارجية الأمريكية تجاههم. ومع أن قمة شنغهاي بدت للكثيرين وكأنها إشارة لتدشين تحالف جديد في النظام الدولي، خاصة أن التغيير في مسمى وزارة الدفاع الأمريكية جاء بعد القمة.

وبعد أن اتهم الرئيس ترامب تلك الدول بالتآمر على الولايات المتحدة، إلا أنه في الحقيقة إن الأسس الحاكمة للنظام الدولي السائد ما زالت صالحة لاستمراره لفترة قادمة، على الأقل لأن الصين لا تظهر نفسها كقوة راغبة في المنافسة على النفوذ، بقدر ما تعمل على بناء نفسها دولياً بشكل حقيقي من أجل كسب المزيد من ثقة دول العالم. إن عوامل التغيير في النظام الدولي ما زالت قيد التكوين رغم وجود عوامل تعرية تسير ببطء، وفق منطق دورة النظام الدولي.

كما أن ثوابت النظام الدولي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي باقية فالولايات المتحدة ما زالت هي صاحبة النفوذ الأكبر في العالم، والدليل أن دعمها لإسرائيل جعل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو تعربد دون أن يستطيع أحد وضع حد لها في انتظار التدخل الأمريكي.