قراءة هادئة لزيارة ترامب

الإمارات كانت، أمس، هي المحطة الثالثة للزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ عودته الثانية إلى رئاسة البيت الأبيض.

وقد شهدت الزيارة زخماً كبيراً في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية، بطريقة لم تشهدها المنطقة من قبل، أبرزها: الإعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا بشكل فاجأ مراقبي العالم.

بجانب العديد من الاتفاقيات الاستثمارية المشتركة بين واشنطن والدول الخليجية التي زارها، ما يشير إلى فصل جديد في العلاقة التاريخية بين الطرفين الأمريكي والخليجي، وربما المنطقة بكاملها، وفق ما رافقته الزيارة من خطاب سياسي أمريكي جديد عن إيران.

واحتمالات التوصل إلى اتفاق معها، وأيضاً وفق تجاهل الرئيس ترامب زيارة تل أبيب، في سابقة لم تسجل من قبل لرئيس أمريكي زار المنطقة، ما يشير أن العالم أمام رئيس أمريكي مختلف، حتى عن رئاسته الأولى.

زيارة الرئيس الأمريكي هذه المرة كانت مختلفة، تطلبت معها صيغة جديدة في طبيعة العلاقة التاريخية بين الطرفين، وهذا نتيجة لاختلاف آليات العمل الخليجي الدولي.

فمن جانب أن هذه الدول الخليجية، وسعت من حلفاءها الدوليين بطريقة تبحث فيها عن مصالح أوطانها ومواطنيها، إلى درجة أنها وضعت، أو بالأدق.

فرضت نفسها في خريطة العالم، بأنها الدول الأكثر توازناً بين المتنافسين، وأنها الأقدر على إقناع المتخاصمين على الحوار والتفاهم، حدث ذلك عملياً من دولة الإمارات، في عملية الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي ضد روسيا عام 2022، بعد نشوب الحرب الروسية - الأوكرانية، فكسبت بذلك «ثقة» العالم، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

ركز الرئيس ترامب في كل حواراته الإعلامية، على كلمة تفسر الأسباب التي يتطلب بها تغير قواعد العمل الأمريكي مع الدول الخليجية، وهي أنه هذه الدول تتميز بـ«الجدية» في العمل الداخلي، وبالاحترام في العمل الدولي، من خلال رؤى وبرامجها التنموية الكبرى.

وكذلك في المساعي الدبلوماسية لتهدئة الملفات الساخنة، وربما أبرزها: الملف الفلسطيني، حيث تنشط العديد من دول مجلس التعاون، وبقوة، وفي الملف الروسي-الأوكراني.

حيث تتوالى كل من السعودية والإمارات التوسط بينهما، وفي الملف النووي الإيراني، باستضافة عمانية، هذه بعض المؤشر في قراءة، لماذا تحرك ترامب سياسياً نحو الخليج؟.

أما بالنظر إلى مخرجات الزيارة، هناك استنتاجان اثنان يمكن الخروج بهما. الاستنتاج الأول: من المتوقع أن تفرز الزيارة آثاراً إيجابية في المستقبل القريب على مستوى الإقليم العربي.

وذلك نسبة لما كشفته اللقاءات بين الطرف الخليجي والأمريكي، من رغبة للانتقال بالعلاقات من التركيز على البعد الأمني والطاقة، إلى علاقات شاملة، خاصة في الجوانب الاستثمارية والاقتصادية، والتي هي أساس العلاقات الدولية.

أما الاستنتاج الثاني: أن الجولة كانت بمثابة «مراجعة عملية» من الطرفين الأمريكي والخليجي للعلاقات بينهما، وإعادة بنائها على أسس متينة، من خلال تحقيق مصالح متبادلة وغير منحازة لطرف في المنطقة «إسرائيل» على حساب دول أخرى، وهذه نقطة بانت في مسألة تجاهل ترامب زيارة تل أبيب.

المتغير الاقتصادي هو الأداة المحركة في السياسة الخارجية لدول الخليج، وهذا يتوافق منطلقات الرئيس الأمريكي الخارجية، حيث يعتبر رجلاً اقتصادياً من الدرجة الأولى، بل كلمة «الصفقة»، هي المسيطرة على كل خطاباته الإعلامية، ما يعني أنه بعيداً عن لغة الأيديولوجيا التي تتسم بالتعقيد والصعوبة.

وبالتالي، هناك توافق ثقافي أو فكري مع القيادات الخليجية، ومن هنا، نستطيع القول إن دول المنطقة بكاملها أمام فرصة حقيقية للاستثمار في مخرجات هذه الزيارة المهمة.

وعليه، يكون المأمول ما بعد هذه الزيارة، هو: وضع قواعد عمل مع هذه الإدارة، التي تتسم بالابتعاد عن التقليدية في العمل السياسي الدولي، وبناء شراكة استراتيجية حقيقية وطويلة.