لاحظ العلماء وجود نقاط التقاء بين مدمني وسائل التواصل الاجتماعي «تيك توك» و«إنستغرام ريلز» ولعب القُمار من ناحية ضعف نفورهم من الخسارة، حيث إن المكافأة الفورية التي يحصل عليها المدمنون تجعلهم يتشبثون بتلك الأجهزة. والمقصود بالمكافأة الفورية هي الفيديوهات القصيرة والمشوقة التي فيها الزبدة والمعلومة الصادمة أو المضحكة وغيرها من مسليات.
أما الجزئية الأهم فكانت أن مدمني منصات الفيديوهات القصيرة، يصبحون أقل حساسية تجاه الخسائر المالية بل ويقدمون على اتخاذ قرارات سريعة واندفاعية، بحسب الدراسة المنشورة في مجلة «نيورو إمج». وظهر ذلك بعد فحص العلماء المشاركين في الدراسة فوجدوا أن الانخفاض في الحساسية تجاه الخسائر ذو صلة بمناطق دماغية تنشط وتحمسهم لمواصلة هذا السلوك بغض النظر عن عواقبه.
بعبارة أخرى، حينما يفرط مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي ذات الفيديوهات القصيرة جداً فإنهم قد يدخلون في نوع جديد من الإدمان، ومع مرور الوقت قد ينعكس ذلك على مضار محتملة نتيجة تحفيز إفراز الدوبامين الذي يشجع على مواصلة الانشغال بالشاشات الصغيرة.
المعضلة تكمن في ما قاله الباحث، تشيانغ وانغ، أستاذ علم النفس في جامعة تيانجين نورمال، من أن إدمان الفيديوهات القصيرة يشكل تهديداً عالمياً، حيث يقضي المستخدمون في الصين نحو ساعتين ونصف الساعة يومياً فيها، ويشارك في ذلك نحو 95 % من مستخدمي الانترنت. وما يقلقني قوله إن هذا الانكباب على الفيديوهات القصيرة لا يضعف الانتباه والنوم والصحة العقلية فحسب، بل يزيد أيضاً من خطر الاكتئاب.
تلك الدراسة بدأت تجيب عن تساؤلات تتزاحم في ذهني تجاه محاولة فهم الجيل الجديد، الذي نلاحظه يفقد تدريجياً المقدرة على التركيز، ولم يعد يريد عمق المعلومة.. فتجد البعض منهم هو من يسأل عن مسألة مهمة لكنه ما أن تأتيه الإجابة العميقة حتى تجده يفقد اهتمامه وتركيزه وكأنه يريد الزبدة في كل شيء، غير أن واقع الحال يشير إلى أن فهم الظواهر الاجتماعية والأحداث اليومية وسلوكيات البعض ودوافعهم وغيرها من قيم ومبادئ وقصص تاريخية تحتاج شيئاً من التعمق.
وكثيراً ما أتساءل إذا كانت المتعة السريعة قد شكلت لنا جيلاً يتقبل الطرح السطحي ولا يحتمل العمق، فكيف سيربي ذلك الجيل أبناءه، وكيف سيكون حال أحفادهم الذين تأتيهم المعلومة على طبق من ذهب من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
هي بلا شك معضلة تتطلب مزيداً من التعمق والبحث العلمي، ومشاركة ذوي الخبرات التربوية والتعليمية لمحاولة وضع حلول في مناهجنا، لتنشئة جيل أكثر عمقاً، ومنحه آليات واقعية تساعده على حسن اتخاذ القرارات والتفكير والتعلم في ظل عالم متغير.
قبل أيام شاهدت فيديو لرئيس شركة «أوبن إي آي» مالكة منصة «تشات جي بي تي»، يقول فيها إن النسخة الخامسة من منصتهم ستذهل العالم.
ويضيف لو أخبرتك (يقصد مقدمة البرنامج) بقدرات النسخة الأولية من منصتنا، قبل 5 سنوات فلن تصدقي أبداً احتمالية حدوث ذلك، ما سيأتي سيكون شيئاً يصعب للعقل أن يستوعبه. وألمح إلى أن الجيل الحالي لن يكتفي بالنسخة الخامسة بل سيطالب بالمزيد من الدهشة والسرعة والإتقان، وهذا بالطبع سيدفع العلماء إلى العمل جاهدين على تقديم حلول مذهلة.
نحن نعيش في واقع غير مسبوق بمعنى الكلمة، فلا بد أن نعيد النظر في كل وسائلنا التقليدية في التعلم واتخاذ القرار ومواجهة المشكلات في مدارسنا وبيئات العمل وحياتنا الخاصة، مع الكثير من الحذر من تداعيات هذا التغير الذي نعيشه، فجودة التكنولوجيا لا تعني أنها خالية من المشكلات النفسية والاجتماعية.