قصة مسلسل «الباشا» العراقي

 عبدالخالق المختار
عبدالخالق المختار
 نوري السعيد
نوري السعيد

في رمضان من عام 2008 عرضت قناة «الشرقية» العراقية مسلسلاً من إنتاجها تحت اسم «الباشا»، مكوناً من 30 حلقة.

هذا المسلسل الدرامي التاريخي الضخم، الذي عُدَّ عملاً غير مسبوق في تاريخ الأعمال الفنية العراقية، تم إنتاجه خارج العراق، واستهدف رواية قصة أحد أشهر الساسة العراقيين وأكثرهم جدلاً في تاريخ العراق الحديث، ألا وهو المرحوم «نوري باشا السعيد» (1888 ـ 1958) الذي تولى رئاسة حكومات عراقية عديدة منذ مطلع الثلاثينات.

كما استهدف لأول مرة إعادة الاعتبار إليه وإلى العهد الملكي بأجمله من بعد عقود من الإهمال والتجني والتشويه والأكاذيب والظلم المتعمد، وبالتالي انطوى العمل على إعادة قراءة التاريخ العراقي المعاصر بعيون وعقول منفتحة وبعيدة عن التعصب الإيديولوجي الممقوت، ومضادة للشعارات الثورية والطائفية.

جسد دور «الباشا نوري السعيد» الفنان العراقي الكبير عبدالخالق المختار (1960 ــ 2009)، بمشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين العراقيين (مثل جواد الشكرجي وناهي مهدي وآسيا كمال وقائد النعماني) والسوريين (مثل لورا أبو أسعد وعدنان أبو الشامات وجهاد عبدو وسعيد الآغا) والمصريين (مثل ليلى طاهر وأحمد راتب وميرنا المهندس) علاوة على الفنان والمخرج السعودي خالد الحربي.

وفي رأي العديد من النقاد الذين شاهدوا العمل وكتبوا عنه أن بطل المسلسل عبدالخالق المختار (من مواليد بغداد عام 1960، وحاصل على بكالوريوس الفنون المسرحية/ قسم التمثيل والإخراج عام 1982 من جامعة بغداد، وماجستير الفنون المسرحية عام 1989 من الجامعة نفسها، وأخرج العديد من المسرحيات والمسلسلات وفيلمين سينمائيين هما: «الحب كان السبب» و«حكاكة») أجاد تجسيد دور الباشا، كقائد عراقي وطني عقلاني قدم الكثير لبلده وتمتع بالدهاء والحنكة والمرونة والقدرة الاستثنائية على المناورة وسط مناخ عربي ودولي مليء بالتحديات والمؤامرات، وغضب شارع محلي تسوده العاطفة والجهل والغوغائية والانتهازية والمطالب غير الواقعية، وهو ما كان محرماً التطرق إليه على مدى عقود من الأنظمة العراقية العسكرية التي توالت على العراق.

وكان هناك ــ بطبيعة الحال ــ من كان له رأي سلبي في المسلسل، تمثل في أنه اهتم ببعض التفاصيل الهامشية التي لم يكن لها داع مثل عملية صنع عرش من الخشب لتنصيب الملك فيصل بن الحسين (أول ملوك العراق).

قام بالإخراج المخرج العراقي المعروف «فارس طعمة التميمي»، صاحب الأعمال الدرامية الرائعة والكثير من الأفلام التسجيلية التي حصد من ورائها العديد من الجوائز والتكريمات خلال مشواره الفني، الذي بدأ في عام 1989 بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة/ قسم الإخراج السينمائي في جامعة بغداد، أما عملية السيناريو والحوار (التأليف) فقد تولاها الكاتب العراقي القدير فلاح شاكر، صاحب الباع العريض في كتابة الأعمال المسرحية التي من أهمها: «مائة عام من المحبة»، «ألف أمنية وأمنية»، «قصة حب معاصرة»، «ليلة من ألف ليلة وليلة»، «العقاب والجريمة»،«تفاحة القلب»، «اكتب باسم ربك»، و«مملكة الاغتراب».

ونختتم بالتأكيد على حقيقة أن هذا العمل الدرامي الرائع، الذي ذكرنا بمسلسلات مصرية تاريخية من تأليف أسامة أنور عكاشة، كشف لنا عن قدرة العراق، بفضل فنانيه ومخرجيه ومبدعيه الكثر، على تقديم مسلسلات تاريخية منافسة للدراما المصرية والسورية، خصوصاً أن تاريخه القديم والحديث مثخن بالأحداث والمآسي والفواجع، وزاخر بالقصص والحكايات والشخصيات المثيرة للجدل، التي يجب أن تروى درامياً برؤى جديدة لتصحيح ما تعلق في أذهان الأجيال الجديدة من شوائب وخرافات.