الجنوب العالمي والنظام الدولي

الحديث عن الجنوب العالمي حديث ذو شجون.. الأستاذ الراحل والمنظّر في العلاقات الدولية وصاحب مفهوم القوة الناعمة، جوزف ناي، يتساءل في مقالة: ما هو الجنوب العالمي؟، ناي ينكر وجود الجنوب العالمي. جغرافياً - حسب ما يقول ناي - الجنوب هو تحت خط الاستواء.. والدول التي يطلق عليها الجنوب العالمي هي دول تقع جلها فوق وليس تحت هذا الخط، يرى ناي أن الهند والصين أكبر دولتين تتنافسان على زعامة الجنوب العالمي هما دولتان تقعان في الجزء الشمالي للكرة الأرضية. ويجادل ناي أن الجنوب العالمي مجرد شعار سياسي ليس إلا.

صحيح أن مصطلح الجنوب العالمي هو مصطلح جيوسياسي ولكن ليس مجرد شعار. وللمقارنة فإن الغرب مصطلح يطلق على كثير من الدول في أوروبا وأمريكا رغم أن هناك دولاً تقع غرب هذه الدول، ولا يطلق عليها أنها دول غربية، المغرب والجزائر وتونس تقع غرب اليونان وإيطاليا واللتين تعتبران دولتين غربيتين بل هما جذرا الثقافة الغربية.

الجنوب العالمي، والذي هو أكثر فقراً وأقل تنمية من دول الشمال، هو مصطلح حل محل ما كان يسمى بالعالم الثالث.. العالم الثالث كان العالم الذي يقع في حياد بين العالم الأول (المعسكر الغربي الرأسمالي) والعالم الثاني (المعسكر الاشتراكي الشرقي)، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وبقية المنظومة الاشتراكية من العالم الثاني لم يعد هناك معنى للعالم الثالث.

هناك مصطلح الدول النامية والذي أطلق على دول الجنوب، وهو مصطلح ينم عن تفاؤل في غير محله.. لم يزدد عالم الجنوب نمواً بل ازداد فقراً وتخلف عن دول الشمال المتقدم، لعل مصطلح الدول الأقل نمواً أكثر دقة وتعبير عن الواقع.

قضية الجنوب العالمي قضية مهمة لأجل الاستقرار العالمي، تخلف هذه الدول عن الركب العالمي مهول، على سبيل المثال، كانت الدول المتقدمة أغنى ثلاث مرات من الدول الواقعة تحت الاستعمار (1800 - 1960)، بعد الاستقلال في القرن العشرين كانت الدول المتقدمة أغنى 35 مرة من دول الجنوب، وفي القرن الـ 21 أصبحت الدول المتقدمة 80 مرة أغنى من دول الجنوب.

أصبح الجنوب العالمي مصطلحاً يطلق على جزء من العالم فاته قطار التنمية ولا يزال يرزح تحت وطأة التخلف الاقتصادي.. صحيح أن الجنوب قد لا يعكس واقعاً جغرافياً بشكل دقيق ولكن يعكس واقعاً اجتماعياً واقتصادياً، حيث يعيش الأفراد تحت مستوى مؤشر جودة الحياة والذي يعكس المعيشة من ناحية الدخول والعمر المتوقع وإلى ما هنالك من مؤشرات تعكس سعادة الأفراد، كما أن مصطلح الدول الغربية غير صحيح جغرافياً ولكن كمصطلح يعكس الهيمنة والغنى والتقدم فهو مصطلح دقيق.

تحتل دول أفريقيا تحت الصحراء معدلات منخفضة جداً في مؤشر جودة الحياة، حيث بلغ المؤشر 0.779، والوضع بالنسبة لجنوب آسيا ليس بأفضل حال، حيث بلغ المؤشر 0.988، بالمقارنة فإن أمريكا الشمالية بلغ المؤشر 1.67. وتتقدم دول أوروبا مثل لوكسمبورغ بمعدل 1.940، أي أكثر من ضعف القارة السمراء.

الأسباب لهذه الفجوة متعددة ويتخالط فيها الأيديولوجي والعلمي. يرى كثير من الباحثين وخاصة من دول الجنوب العالمي أن الاستعمار أرهق هذه الدول تنموياً بل أن المستعمر هيكل هذه الدول لتكون منتجة للمواد الأولية ومستوردة للمنتجات المصنعة، بينما يرى كثير من المتخصصين من الدول المتقدمة أن دول الجنوب تعلق فشلها الاقتصادي والسياسي على مشجب الدول الغربية. ويشير هؤلاء الباحثون إلى دول شرق آسيا (النمور الآسيوية) استطاعت أن تصعد إلى مستويات أعلى من الدول الغربية، رغم ظروفها المشابهة لدول الجنوب العالمي. مهما كانت الأسباب فإن العالم بحاجة إلى مقاربة جديدة تنتشل دول الجنوب العالمي من براثن التخلف الاقتصادي وتدني مستوى المعيشة.