• «يُصبح الأطفال قرّاء وهم في أحضان آبائهم».
إميلي بوخوالد
• فلنصنع منازل تحتضن الكتب ولنجعل القصص طقساً يومياً ولنكن نحن القرّاء الذين نود أن يصبح أطفالنا مثلهم.
يولد الأطفال بفضول لا حدود له، وقبل أن يتقنوا القراءة تراهم يتلمّسون القصص، ويتفحصون أو يتأملون الصور، ويستمتعون بالقصص الناطقة، وكذا بتقليب الصفحات. وهنا يكمن دور الوالدين في تحويل هذا الفضول الفطري إلى حب دائم للقراءة.
إن تحويل فعل القراءة لدى الأطفال إلى عالم متعة ومطلب يومي، ليس ترفاً، وإنما ضرورة ملحة، فهي تبني جسوراً تجعل الأطفال على احتكاك ومعرفة بميادين الحياة المتنوعة، توسع آفاقهم.. تمنحهم أدوات خلاقة لفهم أنفسهم ومشاعرهم. كما أنها تعزّز أخيلتهم وتُنمَي قدراتهم على الإحساس بالآخرين، فتُسهم في بناء عقولهم لتكون أكثر مرونة وذكاء.
تُجمع الدراسات على أن القراءة، خاصة حين تنبع من رغبة داخلية، تحرك مساحات واسعة في عقل الطفل؛ تشمل مراكز اللغة والذاكرة والمشاعر والتفكير. ومع كل صفحة يقرأها ينمو عقله، وتتفتح مشاعره، خطوة بخطوة، وصولاً إلى مراحل نضج فكري وعاطفي رفيعة المستوى، تشكل شخصيته.
ومع ذلك، فإن واقع الحياة المعاصرة، المزدحم بالتقنية والشاشات، يجعل من الصعب، أحياناً، إيجاد متسع للقراءة، فالأطفال محاطون بمشتتات رقمية لا تنتهي، مما قد يشعر الآباء بالعجز عن جذبهم إلى واحات ومروج القراءة، لكن في خضم هذا الزخم يبقى للقصص تأثير لا يضاهى.
وهنا تبرز أهمية القدوة، فالأطفال لا يستجيبون للأوامر بقدر ما يتأثرون بالأمثلة الحيّة. وهكذا، إذا أردنا لأبنائنا أن يُحبّوا الكتب، علينا أن نكون نحن قرّاء أولاً، فحين يرى الطفل أحد والديه يقرأ، أو كليهما، فإنه يتعلّم أن القراءة عادة.. واختيار ومصدر للفرح. ولا يشترط أن يكون الآباء قرّاء نَهِمين، فالبداية البسيطة كافية لتفتح باباً لحب القراءة لدى الأبناء؛ سواء عبر: قصة قصيرة، قصيدة، أو حتى صفحة من أحد كتب الأطفال. المهم أن يرى الأطفال أن القراءة هي جزء لا يتجزأ من الحياة، لا مجرد واجب مدرسي.
بدلاً من الإنفاق على ألعاب إلكترونية باهظة يُمكن الاستثمار في كتب تبقى مع الأبناء، منذ الطفولة وحتى سنوات الكِبر. إن التكنولوجيا لها مكانها، دون شك، لكن لا شاشة تُضاهي دفء حضن وكتاب، ولا تطبيق يُغني عن صوت أحد الوالدين وهم يحكون لأطفالهم قصص قبل النوم.
الأهم من ذلك أن نمنح الأطفال حرية اختيار ما يقرؤون، فالدراسات تؤكد أن السماح للطفل باختيار كتبه يسهم في بناء علاقة صحية مع القراءة، سواء اختار قصة مصوّرة، أو رواية مشوّقة، أو موسوعة عن الكواكب. المهم أن يجد الأطفال ما يُلامس اهتماماتهم.
الكتب أيضاً وسيلة لفهم الذات. فحين يواجه الأطفال مشاعر صعبة، مثل: الغيرة أو الحزن أو القلق، يجدون في القصص مرآة لتلك المشاعر، وصوتاً يُشبههم. إن قراءة هذه القصص مع الأطفال تفتح باباً للحوار، شرط أن تخلو من طابع الضغط أو الوعظ، بحيث تكون العملية عبارة عن قضاء وقت مشترك وكلمات وأفكار يتشاركها الأبناءمع الآباء والأمهات.
إن نتائج وبيانات الدراسات المتخصصة، جازمة وواضحة في الخصوص، إذ تفيد بأن الأطفال الذين يقرؤون للمتعة يحققون أداء أفضل في كل المواد الدراسية، ويتمتعون بمهارات عاطفية واجتماعية أقوى. لكن، وأبعد من الأرقام والتحليلات المنهجية، فإن القراءة هي فعل محبة خالص. إن القراءة مع الطفل تقول له: «نحن هنا من أجلك، نؤمن بأفكارك، ونحتفي بأحلامك».
فلنكوّن منازل تحتضن الكتب، ولنجعل القصص طقساً يومياً، ولنكن نحن القرّاء الذين نود أن يصبح أطفالنا مثلهم، لأن المستقبل لن يملكه أولئك الذين يعرفون القراءة فحسب، بل ويحبونها أيضاً، فلنمنح أبناءنا هذا الحب.
رابط مؤسسة الإمارات للآداب
اضغط هنا