قراءة القرآن الكريم في أيام العزاء.. ظاهرة ثقافية تزرع الترابط والتعاون

في ماضي دبي، كما في العديد من المدن العربية والإسلامية لم تكن أيام العزاء مجرد لحظات حزن وصمت، بل كانت مساحة تنبض بالقيم الثقافية الاجتماعية والدينية ويتجلى فيها ترابط المجتمع وتماسكه. ومن أبرز مظاهر هذا التماسك كانت عادة قراءة القرآن الكريم جماعياً في بيوت العزاء، وهي ظاهرة ثقافية اجتماعية ذات أبعاد عميقة.

كان أهل الحي وأقارب المتوفى يتوافدون منذ اليوم الأول للعزاء، حيث يجدون المصاحف المعدة سلفاً لهذا الغرض في المجلس. ويجلس الجميع في حلقات تتوزع في أركان المكان ويقرأ كل منهم جزءاً حتى يتم ختم القرآن الكريم خلال فترة قصيرة، أحياناً في يوم واحد إذا كان الحاضرون كثراً. هذا المشهد لم يكن فقط تعبيراً عن الدعاء للميت، بل كان مدرسة ثقافية اجتماعية وروحية.

تعزيز الترابط الأسري والمجتمعي

هذه العادة زرعت معاني التكافل والتراحم بين أفراد الأسرة الواحدة وأهل الحي. كان الكبير يُشجع الصغير والجار يقف بجانب جاره، لتتحول لحظات الحزن إلى دروس في الوحدة والتلاحم. ولم يكن الأمر مقتصراً على الرجال فقط، بل كانت هناك مجالس نسائية تقرأ فيها النساء القرآن بنفس الروح الجماعية.

مدرسة لتعليم الأبناء وتربيتهم على الصبر

كان الأطفال والشباب يشاهدون آباءهم وأقاربهم يتلون القرآن بخشوع، مما كان يحفزهم على التعلم والمشاركة. وبهذا أصبحت مجالس العزاء فرصة لتعويد الأبناء على قراءة القرآن واكتساب فضيلة الصبر والتسليم بقضاء الله، بعيداً عن مظاهر الجزع أو العادات السلبية.

ثقافة التعاون وبذر قيم العمل الجماعي

من أجمل ما في هذه الظاهرة هو إرساء مفهوم التعاون بأن يتشارك ثلاثون شخصاً أو أكثر في ختم كتاب الله خلال ساعات معدودة. كان درساً عملياً في قيمة العمل الجماعي، وكيف يمكن للأفراد أن يحققوا هدفاً عظيماً بتكاتفهم. وهي قيمة ظل المجتمع متمسكاً بها في مختلف جوانب حياته.

اليوم ومع تغير أنماط الحياة وتراجع بعض العادات الاجتماعية الأصيلة، باتت هذه الظاهرة أقل حضوراً. إلا أن استذكارها يعيد التأكيد على أهمية إحياء مثل هذه التقاليد الثقافية التي تجمع بين ذكر الخالق سبحانه وتعالى، والتواصل الاجتماعي. كما تغرس القيم النبيلة في نفوس الأجيال الشابة.