خلف الأقنعة

يعتقد الكثيرون أن معرفة شخصية الإنسان تحتاج إلى زمن طويل ومعاشرة عميقة، لكن التجربة تثبت أن بعض المواقف العابرة تكفي لكشف جوهره الحقيقي.

فالكلمات يمكن تزييفها، والابتسامات قد تكون مصطنعة، غير أن الأفعال في لحظات الاختبار لا تحتمل التمثيل، بل تفضح القيم الراسخة في النفس.

أول هذه المواقف، الغضب، إذ يعد مرآة صادقة تكشف معدن الإنسان. فهناك من يفقد توازنه فيندفع إلى الإساءة، بينما يظل آخر متماسكاً يزن كلماته ويحفظ كرامة نفسه وكرامة من أمامه. قدرة الإنسان على ضبط انفعالاته علامة على وعيه ورقيه.

وثانيها، التعامل مع المال والمصالح. فالمال امتحان عسير للأمانة. من يحافظ على حقوق الآخرين ولا يطمع فيما ليس له، يثبت قوة ضميره ونقاء سريرته، بينما من يبيع مبادئه من أجل مكسب سريع يكشف ضعف قيمه مهما حاول التستر خلف الأقنعة.

وثالثها، الأزمات والشدائد، فهي المعيار الأصدق للوفاء. ففي وقت الضيق يظهر الصابر المحتسب، ويظهر أيضاً من يتخلى عن أقرب الناس عند الحاجة. وهنا تتجلى الفوارق بين أصحاب المروءة وأصحاب المصالح.

أما النجاح والسلطة، فهما امتحان آخر لا يقل صعوبة. فالنجاح يكشف إن كان الإنسان متواضعاً يشارك الآخرين فرحته، أم متكبراً يحتقرهم. والسلطة قد تبرز عدالة شخص ونزاهته، أو تكشف تسلطه واستغلاله لموقعه.

ولا يقل أهمية عن ذلك التعامل مع الضعفاء. فطريقة تعامل الإنسان مع الفقراء، أو العمال، أو الأطفال، أو كبار السن، تعكس أصالة أخلاقه. فمن يحترمهم ويعاملهم برحمة يبرهن على إنسانيته، بينما من يستغل ضعفهم أو يهينهم فإنه يكشف طبيعته مهما أجاد التظاهر بخلاف ذلك.

وأخيراً، هناك التفاصيل اليومية البسيطة: احترام المواعيد، الالتزام بالدور المناط بك في العمل، رد التحية، والقدرة على الإنصات. كلها إشارات صغيرة لكنها كافية لترسم صورة صادقة عن الشخصية.

إن حقيقة الإنسان لا تُقاس بما يقوله عن نفسه، بل بما تفرضه الظروف عليه من اختبارات. ففي الغضب، الأزمات، المال، السلطة، والتعاملات اليومية، تنكشف المعادن، ويظهر الإنسان على حقيقته بعيداً عن الأقنعة.