في علم النفس، يُعد الشعور بالخوف استجابة بيولوجية يمكن استثمارها من قبل الإنسان لتجنب المخاطر، ولكن حين يصبح خوفاً من الإقدام على التجارب الجديدة، أو مدخلاً لتجنب ارتكاب الأخطاء، حينها يغدو سجناً غير مرئي يحبس طاقتنا، ويُقيّد حركتنا. في هذا المقام، نود أن نستشهد بحكمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وردت في كتاب سموه، (ومضات من حِكمة: أقوال وحكم مختارة لمحمد بن راشد آل مكتوم). إذ يقول سموه: «تكلفة الخوف أكبر من تكلفة بعض الأخطاء، وتكلفة الخمول والكسل أكبر من تكلفة الخطأ وأنت تعمل».
الخوف الذي نتحدث عنه ليس خوفاً من خطر مُحدق، وقد لا يكون خوفاً من الفشل، بل هو خوف من فكرة الفشل ذاتها التي تسكن اللاوعي لدى بعض الأفراد. هذه الفكرة تعمل في العقل البشري بطريقة مُدمرة للإرادة، إذ يقفز الذهن مباشرة إلى أسوأ الاحتمالات، ويُضخّمها بحيث تبدو وكأنها كارثة حقيقية موجودة في عالم الواقع، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل احتمالات النجاح، والمكاسب التي يمكن أن تتحقق. علم النفس يُسمّي هذه الحالة (الانحياز السلبي Negative Bias)، وهو ميل الإنسان للتركيز على الخسائر المُحتملة أكثر من المكاسب المُمكنة.
المُفارقة في الأمر أن الناتج السلبي إن قُدِّر له أن يحدث، قد لا يكون كارثياً كما تخيلناه. صحيح ربما يُحدث خسائر، ولكن هذه الخسائر بأي شكل من الأشكال لا تُبرر الخوف من الإقبال المُخطط على التجارب الجديدة.
إشكالية الخوف من الخطأ، أنه يزرع في اللاوعي قناعة بأن الأمان يكمن في الجمود، وأن الصمت الذهني أجدى من التفكير، وأن عدم الحركة أفضل من التحرك في اتجاه مجهول. هذه القناعة تصنع شخصية مترددة، تملؤها مشاعر القلق، شخصية تمارس ما يمكن تسميته (التجنُب السلوكي Behavioral Avoidance)، أي اختيار عدم القيام بالفعل من الأساس، لتجنب الألم الذي من المُحتمل أن يتولّد عن ذلك الفعل. المشكلة في الأمر أن هذا التجنُب لا يحمي من الألم، بل يعمل على توليد ألم من نوع آخر، ألا وهو ألم الندم، والمعاناة النفسية من مشاهدة الفرص تضيع الواحدة تلو الأخرى.
تجارب
بالمقابل يمكن القول إنّ العمل، حتى حين ترافقه الأخطاء، فهو يعبّر عن تفاعل عقلاني مع الواقع، ومحاولة لإيجاد أثر إيجابي. في هذا الصدد، يشير علم النفس الإيجابي إلى أن التجربة الفعلية مهما كانت نتيجتها، تعمل على تأصيل مفهوم (المرونة النفسية Psychological Flexibility)، والتي تمثل قدرة الفرد على التكيُف مع الضغوط والمواقف الصعبة والتغيُرات غير المتوقعة بطريقة صحية وفعّالة، بحيث يمكنه مواجهة المشاعر السلبية أو الأفكار الصعبة دون أن تمنعه من تحقيق أهدافه أو اتخاذ القرارات المناسبة.
ختاماً نقول.. إنّ مقال اليوم لا يمثل فرصة لإعادة صياغة علاقتنا بالفشل فحسب، بل هو فرصة أيضاً لتحفيز أنفسنا على أخذ المُخاطرة في حياتنا، خاصة إذا علمنا أن كل خطوة في حياتنا تشتمل على شيء من المخاطرة. في هذا الشأن يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كتابه: (ومضات من فكر: أفكار وآراء من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحكومية 2013): «الإنسان الذي لا يأخذ مخاطرة في حياته سيتجنب الصعوبات والمشاكل والخسائر. هذا صحيح، ولكنه أيضاً لن يكبر، ولن يتعلم أشياء جديدة في حياته، ولن يتغير، ولن يجرؤ حتى على أن يحب. باختصار لن يعيش الحياة. يقولون في المثل الإنجليزي: لن تستطيع اكتشاف محيطات جديدة إذا لم تكن لديك الجرأة لمغادرة الشاطئ. الحياة مليئة بالتجارب والأشخاص والأماكن والمغامرات، ولن تعيش هذا كله إلا إذا أخذت بعض المخاطرة».