طريق الحرير هو إرث إنساني عميق الدلالة على روعة الحركة الإنسانية داخل فكرة الحياة والعزم على تطويرها والتنعّم بطيّباتها على الرغم من ضجيج الحروب وصليل السيوف، وهو طريق كان يمتد من جنوب شرق آسيا في الصين حتى يصل إلى أنطاكيا في تركيا عبوراً إلى البندقية في إيطاليا، مروراً بعشرات المدن الزاهرة التي كانت القوافل تجد فيها محطات استراحة وأسواقاً للبيع والشراء، مثل بُخارى وسمرقند وبغداد وجدّة ودمشق بحيث كانت تكتسب هذه المدن أهميتها التاريخية والاقتصادية من خلال وجودها على هذا الطريق، وبمقدار ما يتحرك الناس تجاهها كانت هذه المدن تكتسب أهميتها الاقتصادية وقيمتها الحضارية، وكم كان ابن بطوطة في رحلاته العجيبة يصف بعض المدن بأنها عامرة بالسكان والنشاط التجاري في إشارة منه إلى أن حركة الحياة في أي مدينة هي المؤشر الصحيح لعمق حضورها في المشهد الحضاري الجميل.
واستلهاماً لهذه اللحظات الزاهرة في أعماق التاريخ، نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تغريدة فائقة الروعة والجمال والجاذبية احتفى فيها بما وصلت إليه دولة الإمارات من قوة الحضور العالمي على المستوى الاقتصادي والثقافي، والذي تجسّد في ثقة العالم بهذه الدولة التي تتمتع بنموذج فريد من الحياة جعل منها الدولة النموذج القادر على جذب الاستثمارات، وتحريك الناس تجاه دولة الإمارات التي يجدون في رحابها كل حقائق الأمان، وكل شروط البيئة المناسبة للاستثمار.
«أثناء جولتي اليوم في سوق السفر العربي في دبي، سوق سفر تشارك فيه 166 دولة و55 ألف متخصّص في قطاع السفر والسياحة العالمي»، ثقافة الجولة في حياة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هي من المعالم الراسخة في شخصيته منذ بواكير حياته، فقد كان شديد الملازمة لوالده طيّب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، الذي كان له برنامج ثابت يفتتحه بجولة صباحية يتفقد فيها شؤون العمل، ويطمئن من خلالها على مسيرة الحياة النشيطة في دبي، فكان هذا الدرس العملي من الدروس العميقة التي تعلمها صاحب السمو في مدرسة والده والتي ما زالت إرثاً يحرص عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ويرسّخه تقليداً في إدارة شؤون الدولة، وها هو يستعيد تلك اللحظات المفعمة بالسعادة والفخر حين يتحدث عن سوق السفر العربي في دبي، الذي كان محطّ جولته في هذا اليوم، وكيف أن هذا السوق هو أحد المعالم الدالة على نشاط الحركة التجارية تجاه دولة الإمارات، حيث تشارك فيه مئة وست وستون دولة ويعمل فيه خمسة وخمسون ألف متخصّص في شؤون السياحة والسفر، مما يحمل دلالة قاطعة على حجم النجاح الذي وصلت إليه دولة الإمارات في هذا المجال الحيوي بامتياز.
«بحمد الله استمرت دولة الإمارات في أداء سياحي غير مسبوق، وسجّلت رقماً قياسياً باستقبال 30.7 مليون سائح العام السابق، وبلغ إجمالي الإنفاق السياحي 250 مليار درهم، وستستقبل مطارات الدولة هذا العام أيضاً رقماً قياسياً يبلغ 150 مليون مسافر»، وتأكيداً على ما سبق من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يؤكد سموه على التميز السياحي الذي حققته دولة الإمارات في العام الماضي والذي تمثّل في استقبال أكثر من ثلاثين مليون سائح بلغ حجم إنفاقهم 250 مليار درهم ليكون ذلك إسهاماً ملحوظاً في الدخل القومي للدولة، بحيث تتحقق سياسة الإمارات الاقتصادية القائمة على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مدخول النفط، مما يشير إلى النضج الإداري الذي وصلت إليه الدولة بفضل قيادتها الحكيمة، وإصرارها على فتح النوافذ الاقتصادية المتعددة، وهو ما سيتم تحقيقه على نحو أوسع وبوتيرة أسرع في العام القادم، حيث سيتضاعف عدد القادمين إلى الدولة خمسة أضعاف ويصل إلى مئة وخمسين مليوناً، وهو ما يحمل معه كل تباشير الخير والسعادة والتقدم.
«هناك مقولة تقول: People vote with their feet أي أن الناس تُصوّت لك بحركتها، عندما يتحرك السياح تجاه دولتك، وينتقل رجال الأعمال نحو بلدك، ويضخ المستثمرون أموالهم في اقتصادك، نعلم أننا في الطريق الصحيح، ونعلم بأن نموذجنا ضمن الأفضل عالمياً»، وتعزيزاً للمنجزات التي ذكرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يستلهم صاحب السمو مقولة شهيرة تربط بين نجاح سياسة الوطن وقوة اقتصاده وعمق ثقة الناس به وبين إقبال الناس عليه من سياح ومستثمرين ورجال أعمال، فمتى أصبح الوطن وجهة لهذه الجموع الغفيرة فهذا هو الدليل الحقيقي على نجاح سياسته، ورسوخ مكانته بين دول العالم الذي يشهد تنافساً اقتصادياً متسارعاً لا يكاد ينجح فيه إلا الدول ذات المصداقية العالية، ولقد فازت دولة الإمارات بالقدح المُعَلّى، حيث يتوافد إليها ملايين السياح، ويتسابق المستثمرون إلى ضخ أموالهم في مشاريعها التي يعلمون أنها محل الثقة والأمانة والنجاح، ليكون ذلك شهادة صريحة وضمنية بأن هذه الدولة هي على الطريق الصحيح، وأن نموذجها الاقتصادي هو ضمن النماذج المتقدمة على المستوى العالمي.
«نهنئ أنفسنا ورئيسنا وشعبنا بأن بلادنا أصبحت وجهة للعالم وبشهادة العالم»، ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة التي هنّأ فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نفوسنا جميعاً، كما هنّأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وهنّأ هذا الشعب الطيب النبيل الذي بفضل جهوده ومثابرته أصبحت بلاده وجهة للعالم وبشهادة من هذا العالم نفسه لتظل الإمارات دولة تكتب مسيرتها بمِداد الفخر والتقدم والإبداع.