هل ترامب ديكتاتور؟!

هل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ديكتاتور أم مجرد رئيس قوي، أم يؤمن بالديمقراطية والتعددية وحكم المؤسسات؟!. هذا السؤال ليس عبثياً أو يحلق في الفراغ، والسبب في طرحه هو أن ترامب نفسه كان يتحدث في مؤتمر صحفي عن قضايا الهجرة والأمن الداخلي.

وحينما سأله أحد الصحفيين هل لديك نزوع إلى الاستبداد والديكتاتورية؟، فجاءت إجابته نصاً كالتالي: «يقول كثيرون إننا كنا نحب أن يكون لدينا ديكتاتور، لكن أنا لا أحب الديكتاتوريين، وأنا لست ديكتاتوراً، بل أنا رجل ذكي يتمتع بقدر كبير من الحس السليم».

إذن ترامب ينفي عن نفسه الديكتاتورية، لكن ما الذي يراه خصومه ومتابعوه والمحللون السياسيون، والأهم هل هناك مؤشرات أو أدلة أو تلميحات يمكن أن تسهم في تقديم إجابة موضوعية للسؤال الذي بدأنا به؟!

من يتابع تصريحات وتصرفات وتلميحات ترامب منذ دخوله البيت الأبيض أوائل عام 2017، فسيتوصل إلى نتيجة شبه نهائية بأن ترامب ديكتاتور أو على الأقل يتصرف كديكتاتور، أو كان يتمنى أن يكون ديكتاتوراً.

من بين المؤشرات على النزعة الديكتاتورية عند ترامب، أولاً: أنه وحتى قبل أن يخوض انتخابات الرئاسة ضد هيلاري كلينتون في خريف عام 2016، كان يكرر أن الانتخابات ستكون مزورة إذا لم يكن هو الفائز. وحينما خسر انتخابات 2020 أمام جو بايدن رفض الإقرار بهزيمته وأصر على أنه الفائز، ولا يزال يكرر ذلك حتى الآن.

ثانياً: أنه دعم هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 في محاولة لتعطيل المصادقة على فوز بايدن، وهناك تقارير كثيرة تقول إنه ضغط على نائبه وقتها، مايك بنس، وبعض الوزراء والمسؤولين لتغيير نتائج الانتخابات، وهذا الأمر يراه خصومه ليس فقط إشارة إلى الديكتاتورية بل محاولة صريحة للانقلاب على الحكم.

ثالثاً: هناك أكثر من تصريح في أكثر من مناسبة قال فيها ترامب بوضوح: ربما أستمر لفترتين أو 3 أو 4، ورغم أنه قال إن ذلك كان مزاحاً، إلا إنه ترك الأمر مثيراً للغموض في أكثر من مناسبة، وذات يوم صرح لشبكة «إن بي سي نيوز»، بأنه «لا يمزح في هذا الاحتمال»، رغم أن ذلك يتعارض مع الدستور.

رابعاً: وفي معظم خطاباته يوجه ترامب اتهامات قاسية لخصومه، ومنها مثلاً أنهم خونة، بل إنه كثيراً ما يستعمل مصطلح «أعداء الشعب» ليصف به خصومه، خصوصاً وسائل الإعلام المعارضة له، وهو تعبير كلاسيكي للأنظمة الشمولية حسب الكثير من المراقبين، وفي مرات كثيرة قبل عودته للبيت الأبيض تحدث عن ضرورة تطهير الدولة العميقة.

خامساً: مجمل تصرفات ترامب تخاصم كل قيم الديمقراطية والتعددية وعدم احتكار الرأي، فهو يقدم نفسه دائماً باعتباره «المنقذ الوحيد» لأمريكا، وأنه الوحيد القادر على إصلاح كل الأخطاء وجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهو الشعار الذي يردده دائماً. كما أنه يروّج لثقافة الشخص الواحد بدلاً من فكرة المؤسسات.

سادساً: هو دائم الإعجاب بكل الرؤساء والقادة الأقوياء من وجهة نظره، ومثال ذلك الأبرز هو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويقول دائماً: إنهم قادة أقوياء يعرفون كيف يسيطرون.

ثامناً: هو متشبع بثقافة الانتقام وتدليلاً على الفكرة ترسخ لديه، أنه أعلن أكثر من مرة أنه إذا عاد للبيت الأبيض فسيعيّن مدعياً عاماً لملاحقة بايدن وأسرته، كما تحدث عن إعادة بناء وزارة العدل لتكون أداة في يده، وليس مؤسسة مستقلة وهو دائم تكرار كلمة «سنعاقبهم»، في إشارة إلى كل خصومه ليس فقط داخل الحزب الديمقراطي ولكن في الحزب الجمهوري أيضاً.

هذه أبرز المؤشرات والأدلة على النوازع الديكتاتورية لدى ترامب، وقبل أسابيع قليلة كتب جوناثان فريدلاند، المحرر في «الغارديان» البريطانية: إن بعض تصرفات ترامب، خصوصاً حبس المهاجرين في أقفاص وإقامة عرض عسكري بمناسبة يوم الاستقلال وحلمه بالرئاسة للأبد هي أشياء مثيرة للسخط، ويرى أن غالبية العالم يخفق في رؤية ترامب على حقيقته مكتفياً بالسخرية.

وتدليلاً علي ما نقول؛ فإن استطلاعاً للرأي جرى في 4 دول أوروبية كبرى، كشف أن غالبية الأوروبيين يرون أن ترامب ديكتاتور. هذا الاستطلاع أجراه مركز ديستان كومان للأبحاث، في مارس الماضي، وكشف أن 59 % من الفرنسيين والألمان و56 % من البريطانيين و47 % من البولنديين يرون أن ترامب ديكتاتور، كما أظهر الاستطلاع زيادة المخاوف الأوروبية من روسيا.

ونتذكر أن ترامب يحاول بكل الطرق إقالة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، لأنه لا يشاركه الرأي في ضرورة تخفيض أسعار الفائدة، والأسبوع الماضي أقال ترامب إحدى عضوات مجلس حكام هذا البنك وهي ليزا كوك، بحجة الاحتيال المصرفي في قضية رهن عقاري.

كما أمر بإقالة مسؤولين خالفوا تقديراته بشأن نتائج الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية في يونيو الماضي.

هذه هي بعض المؤشرات التي تدلل على وجود نزعة ديكتاتورية لدى ترامب، لكن للموضوعية، فإن قوة المؤسسات الأمريكية واستقلاليتها تحول دون ذلك حتى الآن، كما أنه يصعب تعديل وتغيير الدستور الأمريكي لمجرد وجود رغبة عند ترامب، وبالتالي فإن ما يفعله ترامب مجرد أمنيات، إلا إذا حدثت معجزة كبرى ونجح في تحقيق هدفه.