في عراق الثلاثينيات نشأت قصة حب عاصفة بين زكية جورج وصالح الكويتي. دعونا أولاً نتعرف إلى طرفي العلاقة، قبل أن نغوص في رواية القصة.
زكية جورج مغنية عراقية ولدت في حلب بتاريخ 12 أكتوبر 1879، وتوفيت بها في 2 سبتمبر 1966، واسمها الحقيقي «فاطمة محمد»، وجاءت إلى بغداد سنة 1920 برفقة أختها «علية» كي تعمل راقصة في مقاهي الطرب التي كانت منتشرة آنذاك.
وقتها كان من المعيب على فتاة مسلمة مثلها أن تمتهن الرقص في المقاهي العامة، فتداركت الأمر باستخدام اسم فني يوحي بأنها مسيحية، فاختارت اسم «زكية جورج». وبمجرد دخولها مجال الرقص، ثم الغناء لاحقاً، جذبت الأنظار بجمالها وصوتها الدافئ، إلى درجة أن تزاحم الشعراء والملحنون على بابها، ومنهم من هام حباً وعشقاً بها وكتب لها القصائد المعبرة عن غرامه وولهه. وكان أحد هؤلاء المطرب والملحن العراقي اليهودي صالح الكويتي، الذي لشدة عشقه لها، وغيرته عليها، راح يعلمها أصول الغناء ويدرسها الموسيقى كي تهجر مهنة الرقص وتصبح مطربة.
أما صالح الكويتي فقد ولد في منطقة شرق بمدينة الكويت سنة 1908 و1910، لعائلة من أصول عراقية. فوالده هو «عزرا بن يعقوب أرزوني» المولود سنة 1867 لأسرة عراقية كانت قد انتقلت إلى إيران من البصرة، علماً بأن الأسرة عادت للاستقرار في البصرة بعد ولادة عزرا بشهرين. وعندما شبّ عزرا اشتغل بالتجارة، ومع مطلع القرن العشرين انتقل هو وزوجته «تفاحة» إلى الكويت، بحثاً عن فرص تجارية أفضل، حيث سكنا في شارع الغربللي، وراحت أحوالهما المعيشية تتحسن باضطراد بسبب انتعاش الأوضاع الاقتصادية في الكويت آنذاك، وهو ما جعلهما يكثران من الإنجاب.
فقد أنجبا بعد ولديهما صالح وداوود سبعة من البنين والبنات، لكن أياً من هؤلاء لم يحصل على الجنسية الكويتية، إذ ظلوا طيلة مدة مكوثهما بالكويت من المقيمين الأجانب. جاءت المحطة المفصلية الأهم في حياة الكويتي بانتقاله مع أخيه داوود في العام 1929 إلى بغداد التي كانت آنذاك واحدة من المدن العربية الأكثر حراكاً وحداثة ومدنية. ففيها غنى صالح الكويتي الأغنية الشهيرة «عيني وماي عيني يا عنيـّد يا يابا»، وفيها التقيا بمطربة العراق الأولى آنذاك «سليمة مراد» التي لحن لها صالح الكويتي أجمل الأغاني من كلمات الشاعر البغدادي الفذ «عبدالكريم العلاف».
وهكذا ولدت أغانٍ لاقت نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير وقتذاك، وظلت حاضرة في الذاكرة الفردية والجمعية. ومن هذه الأغاني: «قلبك صخر جلمود، ما حنْ عليّ»، و«منك يالأسمر»، و«خدْري الشاي خدريه»، و«يا نبعة الريحان.. علاوة على تلحينه أغنية «يا بلبل غني لجيرانه» من الترجمة العربية لجميل صدقي الزهاوي لكلمات الفيلسوف الهندي طاغور، وهي أغنية أدتها زكية جورج في بغداد سنة 1934 بمناسبة حلول طاغور ضيفاً على الملك فيصل الأول.
روت نسرين الرشيدي في جريدة «عين المشاهير» (29/3/2018) حكاية هيام صالح الكويتي بزكية جورج فكتبت أن الكويتي أحبها حباً جنونياً، ولكنها رفضت هذا الحب، فحاول أن يتقرب منها بتوسيط بعض الفنانين، غير أن محاولاتهم بائت بالفشل.
ولتفادي محاولات أخرى، قررت زكية الهجرة من بغداد للإقامة والعمل في البصرة، فاحتضنتها هناك الفنانة لميعة توفيق، ويقال أيضاً إنها ارتبطت في البصرة بعلاقة مع طبيب أسنان بصري.
وأضافت الرشيدي إن صالح الكويتي شرح قصته لأحد الشعراء، طالباً منه أن يترجمها شعراً، فكان أن ولدت أغنية «هذا مو إنصاف منك، غيبتك هالقد تطول.. الناس لو تسألني عنك، شرد أجاوبهم شقول»، وهي أغنية لحنها الكويتي بنفسه وأرسلها إلى زكية جورج في البصرة لتؤديها، ولكنها رفضت العرض، فقامت الفنانة سليمة مراد بغنائها ونجحت نجاحاً باهراً، الأمر الذي أدى إلى أن تعض زكية جورج أصابع الندم.
وتقول السيرة الذاتية لزكية جورج إنها ختمت حياتها بالعودة إلى مسقط رأسها في حلب، حيث مارست الحياكة والتطريز إلى أن حانت منيتها في عام 1966. أما صالح الكويتي فغادر العراق مع أخيه داوود إلى إسرائيل عبر قبرص اضطراراً بعد أن أصبحت حياتهما مهددة في العراق في أعقاب ما عرف بيوم فرهود الأسود سنة 1941، ليتوفى هناك عام 1986.