فجأة تحولت الأنظار، عصر يوم الخميس الماضي، من لبنان إلى غزة، بعد أن بدأت الأخبار تتواتر عن احتمال مقتل يحيى السنوار، مهندس عملية «طوفان الأقصى»، على يد وحدة من القوات الإسرائيلية كانت تعمل في منطقة «تل السلطان» برفح لتحديد مواقع أعضاء حركة «حماس».
تعودنا خلال الأحداث التي عشناها خلال العام المنصرم أنه لا دخان من غير نار.
لهذا كان هناك شبه إجماع لدى كل من يتابع الأخبار أنه يتم تجهيز المسرح لإعلان الخبر الذي تأكد خلال ساعات، وظهر أن الاشتباك الذي قُتِل خلاله السنوار حدث قبل فجر الخميس، وأن عملية التأكد من شخصية القتيل هو ما أخر البدء في تنفيذ سيناريو إعلان الخبر من قبل الجانب الإسرائيلي، قبل أن يصدر بيان حركة «حماس» في اليوم التالي مؤكداً الخبر.
ما حدث الخميس 17 أكتوبر ذكرنا بما حدث الجمعة 27 سبتمبر عندما بدأت الأخبار تتسرب عن مقتل أمين عام «حزب الله» السابق حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع فارق بسيط هو أن خبر مقتل نصرالله لم يتأكد إلا في اليوم التالي، ومن الجانب الإسرائيلي أولاً أيضاً، قبل أن يؤكد «حزب الله» بعد ذلك الخبر.
أياً كان حجم الحزن الذي خيم على أنصار «حزب الله» وحركة «حماس» بعد اغتيال حسن نصرالله ومقتل يحيى السنوار، أو حجم الفرح الذي شعر به الذين يرون أنهما قد تسببا في دمار لبنان وغزة، فالحقيقة أن المشهد الآن يخلو من أهم شخصيتين سيطرتا على مجريات الأحداث على مدى أكثر من عام، ولم يعد ما بعد اختفائهما عن المشهد يشبه ما قبل اختفائهما عنه.
وفي ظل المشهد الجديد هذا، خصوصاً بعد اختفاء هاشم صفي الدين وورود أخبار عن مغادرة نعيم قاسم إلى إيران خوفاً من الهجمات الإسرائيلية، بدأ الحديث عن سيناريوهات اليوم التالي، الذي يشير إلى المستقبل القريب وما يحمله من فرص وتحديات.
مفهوم اليوم التالي وفقاً للسياق يمكن أن يحمل احتمالات عدة، لكنه ربما يكون مختلفاً لدى إسرائيل التي تعتبر نفسها منتصرة بعد كل هذا الدمار الذي أحدثته في غزة، والذي تحدثه الآن في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية من بيروت، في وقت نستمع إلى أصوات حمساوية، مثل صوت خالد مشعل الذي سمعناه في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، وأصوات لبنانية، مثل صوت نعيم قاسم في آخر خطاب له.
أما مفهوم اليوم التالي لدى إيران فقد استمعنا إليه في تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف لجريدة «لوفيغارو» الفرنسية، عندما قال «إن إيران مستعدة للتفاوض مع باريس بشأن تطبيق القرار الأممي رقم 1701 الذي ينص على نشر الجيش اللبناني فقط في جنوب لبنان، وهو شرط أساسي لعودة السلام».
الأمر الذي أثار استغراب رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، الذي اعتبر التصريح تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة مرفوضة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان!
قاليباف، الذي أدلى بهذا التصريح بعد اختفاء حسن نصرالله من المشهد، ربما يخرج أيضاً، بعد اختفاء السنوار من المشهد، بتصريح يقول فيه إن إيران مستعدة للتفاوض مع إسرائيل بخصوص وقف إطلاق النار في غزة.
وتسليم المختطفين الإسرائيليين، والكيفية التي ستتم بها إدارة القطاع بعد إعماره وإعادة من تبقى من سكانه الذين يعيشون في العراء منذ أكثر من عام إلى بيوتهم، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023 كي تستمر الحياة، وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن ما حدث كان حلماً طويلاً استفقنا منه فجأة على كارثة.
سيناريوهات اليوم التالي، الذي يبدو أننا أصبحنا فيه بشكل أسرع مما كنا نتوقع، وربما نكون قد تجاوزناه، تم رسمها قبل أن يبدأ هذا اليوم، كما أن ثمة خرائط جديدة تم رسمها لمنطقتنا.
بينما نحن ومحللونا وخبراؤنا الاستراتيجيون المنخرطون على الشاشات، وفي قنواتهم الخاصة على «يوتيوب»، في جدل كبير حول شكل الانتصار الذي حققناه، وتحديد الوقت الذي سيعلن فيه الطرف الآخر هزيمته، وتصورات وأفكار بعيدة عن الواقع تماماً.
كاتب وإعلامي إماراتي