أنور قرقاش... الصوت المعبر عن سياسة وطنه

تعد عائلة «قرقاش» واحدة من أقدم وأشهر العائلات التجارية في الإمارات، فهي بدأت كغيرها بداية متواضعة في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين على يد مؤسسها الأول المرحوم علي عبدالله قرقاش (جد المترجم له).

كتب المؤرخ الأستاذ عبدالغفار حسين في أحد مقالاته أن علي قرقاش ولد في إمارة عجمان في بدايات القرن العشرين داخل بيت والده عبدالله، الذي كان يملك دكاناً في سوق الإمارة، التي كانت آنذاك مجرد قرية صغيرة لا يتعدى سكانها ألفي شخص، وبسبب هذه التجارة وما كانت تدره من نقود (خردة) أو قراقيش (مفردها قرقاش) باللهجة المحلية، لقبت العائلة بـ«قرقاش» عند أهل عجمان.

بعد وفاة والده إبان فترة الحرب العالمية الأولى، انتقل علي قرقاش في ثلاثينيات القرن العشرين من عجمان إلى دبي وهو فتى يافع، ليؤسس عملاً تجارياً في الأخيرة، التي كانت وقتذاك أكثر حركة ونمواً من بقية الإمارات، بفضل مينائها وأسواقها وتعاملاتها التجارية مع الدول القريبة المجاورة. وبعد أن مارس تجارة استيراد الأخشاب، وغيرها من الهند وتصدير المحار والأصداف إلى أوروبا، فكر في مزاولة تجارة غير شائعة بين التجار المحليين آنذاك.

وهكذا هداه تفكيره إلى الإتجار في السيارات، من خلال شراء سيارات نقل مستعملة، من تلك التي كان الإنجليز المرابطون في قاعدة الشارقة يبيعونها مع قطع غيارها، لإحلال سيارات جديدة مكانها. وألحق بتجارته الجديدة هذه أنشطة أخرى مثل استيراد وتسويق النفط ومشتقاته، التي كانت تجلب بالمراكب من ميناء عبدان الإيراني (قبل ظهور النفط وشركاته في الخليج العربي).

وبعد اكتشاف النفط في البحرين سنة 1932 صار وكيلاً موزعاً لشركة نفط البحرين بالإمارات، ومن أجل ذلك أقام بالقرب من مكتبه ومنزله في سبخة ديرة مستودعات لتخزين الوقود، كتب عليها تحذيرات غير مألوفة للناس مثل «ممنوع استعمال الدخانيات»، أي لا تقترب من المكان وأنت تدخن السجائر وما شابهها.

ومع نمو دبي المطرد وتوسع تجارتها وأعمالها كبرت تجارة قرقاش للسيارات شيئاً فشيئاً، خصوصاً منذ عام 1946 حينما استوردت العائلة سيارتين صغيرتين وعدداً من سيارات النقل الثقيلة، قبل أن تحصل على وكالة سيارات بيدفورد الإنجليزية وقطع غيارها، ووكالة سيارات مرسيدس عام 1957.

وبوفاة الجد المؤسس علي عبدالله قرقاش انتقلت الإدارة إلى يد عبدالغفور قرقاش (خال المترجم له وهو من أوائل أبناء الإمارات المتخرجين في جامعة السند عام 1950 بمنحة من نادي الكريكت، الذي كان يلعب له زمن تعليمه الثانوي هناك)، وإلى يد محمد عبدالخالق قرقاش (والد المترجم له المتوفى عام 2016)، والجدير بالذكر هنا أن تلقي الرجلين تعليمهما في كراتشي زمن الهند البريطانية كان له تأثير إيجابي عليهما لجهة تطوير أعمال العائلة، إذ أتقنوا الإنجليزية، لغة المال والأعمال والتجارة، وعادوا من هناك بأفكار جديدة ورؤى منفتحه على العصر، وشغف بممارسة كرة القدم ولعبة الكريكيت ومشاهدة السينما وقراءة الكتب والروايات.

ثم جاء دور الجيل الثالث من العائلة، الذي ظهرت على يده «مجموعة قرقاش» منذ عام 1957، وهي مجموعة تجارية إماراتية رائدة متعددة الشركات، وتتركز أعمالها اليوم على وكالات عدد من السيارات ذات الشهرة العالمية، وبعض الشركات الصينية في دبي والشارقة والإمارات الشمالية، علاوة على التعامل في مجالات العقارات والإنشاءات، والإلكترونيات، والتأمين، والتطوير الصناعي، والصناعة الفندقية، وغيرها من المجالات الحيوية، التي حفرت الأسرة فيها اسمها وسمعتها الطيبة، وقدمت من خلالها مساهمات كبيرة في نهضة البلاد ونموها.

تحدث الأستاذ عبدالغفار حسين عن منزل آل قرقاش في منطقة السبخة من ديرة في أربعينيات القرن العشرين، حيث ولد ونشأ، فقال ما مفاده: «إنه كان مبنى متميزاً، بل الوحيد من طرازه، لأنه تم بناؤه على الطراز الأوروبي والهندي، ناهيك عن أنه كان مكسواً بصخور مرجانية جميلة جلبت خصيصاً من جزيرة «أبو موسى» التابعة للشارقة، ومدهونة بمادة الأكسيد الأحمر، الذي يسميه الأهالي «المغر».

من شخصيات هذه الأسرة الكريمة من الجيل الثالث سمير محمد قرقاش (الشقيق الأكبر للمترجم له)، والذي درس وتدرب كونه ضابطاً بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، وبعد تقاعده من الجيش عمل في الأعمال الحرة، وهو الآن رئيس مجلس إدارة مجموعة قرقاش.

وهناك شهاب محمد قرقاش (الشقيق الأصغر للمترجم له) المولود عام 1966، والحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال الدولية والتسويق من جامعة جورج واشنطن الأمريكية، وعمل لسنوات عديدة في القطاع المصرفي، وهو مؤسس شركة «ضمان» للأوراق المالية في عام 1988، وصاحب خبرة طويلة في التسويق والتمويل المالي والخدمات المصرفية والاستثمارية، ويشغل حالياً منصب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة قرقاش.

وهناك أيضاً السيدة مها محمد قرقاش (الشقيقة الوحيدة للمترجم له)، وهي كاتبة وإعلامية، وكانت من أوائل الإماراتيات اللواتي أنهين تعليمهن ما قبل الجامعي في كلية فيكتوريا بمصر، ثم أنهت دراستها الجامعية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، وكلية غولدسميث البريطانية، فحصلت على شهادتي البكالوريوس والماجستير في الإذاعة والتلفزيون، ثم عادت إلى وطنها لتعمل 20 عاماً في تلفزيون دبي، في مجال الأفلام الوثائقية، وبعد تقاعدها من الإعلام اتجهت إلى تأليف الروايات، إلا أن أشهر شخصيات الأسرة وأكثرها تأثيراً ونشاطاً في المجالات السياسية والدبلوماسية والإعلامية هو معالي الدكتور أنور محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، والذي سيكون محور حديثنا في هذه المادة.

ولد معالي الدكتور أنور محمد عبدالخالق قرقاش في منطقة السبخة من ديرة بإمارة دبي في 28 مارس 1959، ونشأ بها في كنف والده التاجر المعروف الحاج محمد عبدالخالق قرقاش، ووالدته مريم بنت علي قرقاش، التي عرفت بعشقها للتعليم والاطلاع والقراءة، فتعلمت الإنجليزية والفرنسية والأوردية على يد مدرسين خصوصيين، وصارت تجيدها بطلاقة. أولى والداه عناية خاصة لتعليمه وتعليم إخوته، فكانا حريصين على إرسالهم إلى بريطانيا صيفاً من أجل تعلم الإنجليزية، والاطلاع على الحياة العصرية ومباهجها، ما أسهم في اتساع مداركهم مبكراً.

بدأ معالي الدكتور أنور محمد قرقاش تعليمه النظامي بالالتحاق بالمدرسة الأحمدية (أولى مدارس دبي الابتدائية شبه النظامية، أسسها عام 1912 تاجر اللؤلؤ الشيخ أحمد بن دلموك الفلاسي)، ثم أكمل دراسته المتوسطة والثانوية في كل من مدرسة دبي الثانوية (أولى المدارس الثانوية التي تأسست في دبي سنة 1960)، ومدرسة جمال عبدالناصر الثانوية (ثاني مدرسة ثانوية في دبي، تأسست سنة 1973، وتم تغيير اسمها إلى مدرسة الشيخ زايد بن سلطان سنة 2005).

بعد تخرجه في الثانوية/ القسم العلمي بتفوق، حصل على بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة، لكنه بتأثير من قراءاته الصحفية حول أحداث العالم السياسية ومتغيراتها منذ صباه، هجر دراسة الهندسة إلى دراسة العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، التي منحته أولاً درجة البكالوريوس في سنة 1981، ثم درجة الماجستير سنة 1984، لينتقل بعدها إلى كلية كينغز بجامعة كامبريدج البريطانية العريقة، التي حصل منها على درجة الدكتوراه سنة 1990، ليعود بعدها إلى وطنه، للمساهمة في نهضته بما أوتي من علم رفيع وتجربة تغرب ثرية، فخلال الفترة من عام 1990 إلى عام 1995 انخرط في سلك التدريس بجامعة الإمارات العربية المتحدة بمدينة العين، حيث قام بتدريس مواد الحوكمة والسياسة والنظم الحكومية المقارنة، ومواد أخرى ذات علاقة بقضايا الأمن والاستراتيجيات في منطقة الخليج لطلبته، الذين كان من بينهم: سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وسمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان، رئيس نادي الوحدة الرياضي الثقافي، أما الأعوام من 1995 إلى 2006 فقد قضاها في العمل بالقطاع الخاص، وتحديداً ضمن أعمال وأنشطة مجموعة قرقاش التجارية، حيث تولى منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة قبل أن يتخلى عن المنصب لشقيقه شهاب محمد قرقاش، بسبب انضمامه للحكومة.

وإبان مسيرته المهنية الناجحة، كان قرقاش عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي منذ عام 1997، وعضواً في مكتبها التنفيذي، ورئيساً للجنتها الاقتصادية، كما كان عضواً في المجلس الاقتصادي لإمارة دبي، وعضواً في مجلس إدارة أبوظبي للإعلام، وعضواً في مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للإعلام منذ تأسيسها عام 2003، وقبلها كان عضواً في مجلس إدارة مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر، وعضواً في مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية بالشارقة، علماً بأنه صار لاحقاً رئيساً لمجلس أمناء جائزة المؤسسة.

في عام 2006 كان قرقاش على موعد مع دخول الحكومة الاتحادية لأول مرة، حيث أنيطت به حقيبة وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي في الحكومة الأولى، التي شكلها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والسابعة في تاريخ الدولة.

وظل محتفظاً بهذه الحقيبة في التشكيل الوزاري التالي في فبراير 2008، لكن أضيفت إليها مهام وزير الدولة للشؤون الخارجية، التي كان يشغلها قبله معالي محمد حسين الشعالي، أما في التشكيل الوزاري الجديد في فبراير 2016 فقد احتفظ بمنصبه وزيراً للدولة للشؤون الخارجية، بينما عهد منصب وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني لمعالي نورة بنت محمد الكعبي.

وخلال سنوات عمله وزيراً، تولى بصفته الحكومية منصب رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، حيث قام بتنظيم برنامج انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، التي عقدت في الدولة في الأعوام 2006 و2011 و2015، كما تولى أيضاً منصب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، ورئيس فريق عمل دولة الإمارات العربية المتحدة للمراجعة الدولية لحقوق الإنسان، وحظي بعضوية مجلس أمناء «أكاديمية الإمارات الدبلوماسية» (أكاديمية تأسست بقرار من مجلس الوزراء سنة 2014، بغرض الإسهام في دعم السياسة الخارجية للإمارات في مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية وتنمية مهارات العاملين في السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وتحول اسمها لاحقاً إلى «أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية» كونه نوعاً من التكريم له من قبل الدولة)، هذا ناهيك عن توليه رئاسة تحرير سلسلة «دراسات استراتيجية»، التي تصدر باللغتين العربية والإنجليزية عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

ولم تمنع كل هذه الأعباء والمسؤوليات صاحبنا من إلقاء المحاضرات، والمشاركة في حوارات منتديات السياسات العالمية والأمن الدولي مثل منتدى ميونيخ للأمن، ومنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، والقمة العالمية للحكومات في دبي، ومنتدى الإعلام العربي السنوي بدبي. ومن خلال هذه الفعاليات وغيرها، حرص قرقاش على تسليط الضوء على توجهات دولة الإمارات وسياستها الخارجية، والتركيز على قضايا مثل الوحدة الخليجية ومزاياها الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري، وتنشيط بيئة الاستثمارات. كما صدرت عنه مراراً مواقف تدين التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، وتدعو إلى السلام والتعايش والتسامح في العالم.

وبعد خدمة بلاده على مدار عقود في مناصب عدة، من بينها 13 عاماً بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، تم تعيين معالي أنور قرقاش مستشاراً دبلوماسياً لصاحب السمو رئيس الدولة في تعديل وزاري مصغر، أجراه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في فبراير 2021.

وبهذه المناسبة نشر سموه عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس» «تويتر سابقاً»، بأن رئيس الدولة آنذاك (المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله)، «منح وسام الاتحاد للدكتور أنور بن محمد قرقاش، أحد أهم رواد العمل السياسي الإماراتي، والذي استطاع إحداث تحولات كبيرة في عملنا السياسي الخارجي وعلاقاتنا الدولية والإقليمية، سيبقى الدكتور أنور في خدمة الوطن عبر ملفات جديدة، وسيظل الوطن مقدراً جهوده».

وعلى الرغم من مشاغله وأعبائه الكثيرة، فإن قرقاش حريص على التواصل مع الناس، من خلال مجلسه الأسبوعي المنعقد على مدى أكثر من عقدين، كما أنه يعد أحد أكثر الشخصيات المسؤولة في دول الخليج نشاطاً على مواقع التواصل، إذ إنه كان وما زال مواظباً على استخدام منصة «إكس» للتعليق على الأحداث السياسية وتطوراتها، والإعلان من خلالها عن مواقف وسياسات دولة الإمارات وقيادتها، بدليل أن منشوراته متابعة من قبل أكثر من 1.4 مليون شخص.

علاوة على وسام الاتحاد، الذي ناله بعد خروجه من الحكومة عام 2021، يحمل قرقاش «وشاح محمد بن راشد آل مكتوم»، الذي يُمنح للمواطنين «ذوي المساهمات البارزة في تأسيس وخدمة دولة الإمارات وأصحاب الخدمات الجليلة». ويحمل أيضاً «وسام أبوظبي»، وهو أرفع وسام مدني بإمارة أبوظبي، ويُمنح «تقديراً وعرفاناً للشخصيات، التي تميزت بعطائها وخدمتها لمجتمع أبوظبي».