طالب الأزهر الذي تحول لكوميديان شهير

عبدالسلام النابلسي
عبدالسلام النابلسي

في شهر يوليو الماضي من هذا العام (2025) يكون قد مر سبع وخمسون سنة على رحيل الفنان عبدالسلام النابلسي، الذي أسس لنفسه مدرسة خاصة غير مسبوقة في الكوميديا، اعتمد فيها على حوارات ومواقف ذكية من خلال تجسيد دور الرجل المعتد بنفسه الذي يتعامل مع وسطه بعنجهية مضحكة وتفاخر باعث على الاستفزاز.

الكثيرون لا يعرفون أن هذا الكوميديان الذي حفر اسمه في عالم الفن بجهوده الذاتية وشخصيته المتميزة وثقافته الواسعة، بدأ حياته طالباً في الأزهر، لأن والده عبدالغني النابلسي أراد له أن يكون قاضياً شرعياً مثله ومثل جده، اللذين عملا قاضيين بمدينة طرابلس اللبنانية.

ولد النابلسي في «عكار» بشمال طرابلس عام 1899 ابناً لعائلة لبنانية محافظة من أصول فلسطينية، وفيها درس وأجاد اللغة الفرنسية، وحينما بلغ العشرين من عمره في عام 1919 أرسله والده إلى القاهرة كي يلتحق بالأزهر الشريف، الذي أمضى به فترة من الزمن حفظ خلالها القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية ونحوها وآدابها، قبل أن يهجره.

وحينما علم ذووه بتركه دراسته الدينية غضبوا عليه وقطعوا عنه المصروف، فتأزمت ظروفه المعيشية، ولم يجد وسيلة يجابه بها أزمته سوى البحث عن عمل في الصحافة المصرية بحكم إجادته العربية والفرنسية وما تلقاه في الأزهر من علوم اللغة والنحو. وبالفعل نجح النابلسي سنة 1925 في اقتحام قلاع الصحافة المصرية، فعمل محرراً في أكثر من صحيفة أدبية وفنية.

ولأنه كان محرراً للصفحات الفنية في بعض المطبوعات التي عمل بها، فقد قادته الصدف للتعرف على السيدة آسيا داغر، الممثلة والمنتجة المصرية من أصول لبنانية، التي استشعرت بذكائها أنه شخصية موهوبة، فأخذت بيده وأدخلته عالم الشهرة والنجومية، وعرفته على كبار مخرجي تلك الفترة من أمثال وداد عرفي وإبراهيم لاما ويوسف وهبي وأحمد جلال وتوغو مزراحي.

بدأ النابلسي مشواره السينمائي سنة 1929 بالتمثيل في فيلم «غادة الصحراء» للمخرج وداد عرفي، ثم شارك سنة 1931 في فيلم «وغز الضمير» للمخرج الفلسطيني إبراهيم لاما، وهو الفيلم الذي فتح له الأبواب، لكنه في هذه الفترة من حياته جمع ما بين التمثيل والعمل مساعد مخرج في العديد من أفلام يوسف وهبي وآسيا وأحمد جلال.

في عام 1947 قرر أن يتفرغ تماماً للتمثيل، ولأن تلك الفترة تميزت بالطلب على الكوميديا، فقد قاده تفكيره إلى التحول من الأدوار الرومانسية والجادة وأدوار الفتى المستهتر التي أداها في أفلامه الأولى، مثل «العزيمة»، و«ليلى بنت الريف»، و«الطريق المستقيم»، إلى الأدوار الهزلية والمضحكة.

وقتها لم يشأ أن يكرر أنماط الكوميديا الرائجة، بل حرص على تأسيس مدرسة كوميدية خاصة به تقدم نمطاً جديداً من أنماط الكوميديا الراقية، فكان النجاح حليفه، وزاد الطلب عليه من قبل المخرجين والمنتجين لأداء دور سنيد وصديق البطل، كما في معظم أفلام عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، أو دور المشاغب والمستفز والمنافس للبطل، كما في العديد من أفلام إسماعيل يس.

بعد 43 عاماً في مصر، اضطر في عام 1962 لتركها والانتقال إلى لبنان، جراء تفاقم مشاكله مع مصلحة الضرائب المصرية التي طالبته بسداد 13 ألف جنيه.

وقام بنقل مدخراته إلى لبنان وأودعها في بنك أنترا الذي سرعان ما أعلن إفلاسه، وهو ما سبب له صدمة مضاعفة بعد صدمة قيام مصلحة الضرائب المصرية بالحجز على أثاث شقته المستأجرة في الزمالك.

لكن الرجل صمد وقرر أن يبدأ من الصفر، فأدار في بيروت «الشركة المتحدة للأفلام» التي أنتجت العديد من الأفلام التجارية التي شارك بها كممثل.

وفي بيروت قرر أن يطلق العزوبية وهو في الستين من عمره، فتزوج من «جورجيت سبات»، إحدى معجباته. جاءت منيته في 5 يوليو 1968 بعد عودته إلى بيروت من رحلة فنية في تونس، حيث تفاقمت آلامه ونقلته زوجته إلى المستشفى، لكنه لفظ أنفاسه في الطريق، وتكفل صديقه فريد الأطرش بمصاريف جنازته.