يرى هؤلاء أننا إزاء إعادة تقسيم لنفس المنطقة، في ظل وجود فاعلين جدد، في مقدمهم إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف أساسي، وهو هيمنة الدولة العبرية على كل تلك المنطقة، وتأمين إقليمها ومصالحها فيها.
هذا الأمر مؤخراً، حينما تحدث عن إسرائيل الكبرى، مع تسريب بعض الخرائط عن حدودها، التي امتدت إلى كل الدول المجاورة لحدودها الحالية، وأخرى ليس لها معها حدود تُذكر.
هذا الشرق الأوسط الجديد، وهذه إسرائيل الكبرى، ليسا نتاجاً لهجمات السابع من أكتوبر، ولا الحرب الدموية التي تشنها إسرائيل منذ نحو عامين على قطاع غزة، والمترافقة مع حرب التفتيت والضم لأراضي الضفة الغربية بصورة متسارعة، تكاد تودي بكل إمكانية لقيام دولة فلسطينية يوماً ما، ويتأكد هذا، بما تحدث به رئيس الوزراء الإسرائيلي، والخريطة التي عرضها في الأمم المتحدة، قبل هذه الهجمات، قبل أيام منها.
الشرق الأوسط الجديد، وإسرائيل الكبرى، التي تتحكم به وتستفيد منه. من هنا، فقد كان التعمد الإسرائيلي منذ البداية لتوسيع نطاقات المواجهات العسكرية في المنطقة كلها، وصولاً إلى الجبهات السبع التي تحارب فيها إسرائيل، بحسب التعبير المفضل لرئيس وزرائها.
والأرجح، أن الأطراف الإقليمية التي خاضت مواجهات خلال العامين الماضيين مع إسرائيل، لم تنتبه إلى هذه الرؤية الإسرائيلية الأكثر عمقاً وخطورة على المنطقة كلها، فكان أن استفاد منها اليمين الإسرائيلي الحاكم، للمضي بسرعة نحو هدفه الاستراتيجي القديم – المتجدد.
فالإدارة الأمريكية الحالية، ترغب أكثر في مزيد من الهدوء في المنطقة شديدة الحيوية لمصالحها العالمية، وليس لمزيد من الفوضى فيها. وبالرغم من هذا التباين في الرؤيتين، فإن الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، في كل من عدوانها على غزة، وهجومها على إيران، واعتدائها على لبنان، وإن يكن هدفه هو الدعم التقليدي لها، بحجة الدفاع عن النفس، وليس مساندة هدفي الشرق الأوسط الجديد وإسرائيل الكبرى.
فإن النتيجة العملية على الأرض، هي مواصلة الحكم اليميني الإسرائيلي السعي المتسارع للاستفادة من هذا الدعم المتواصل، من أجل الوصول إلى تنفيذ هذين الهدفين.
وبالتالي، فإن توهم إمكانية إعادة التاريخ، ولو بصور أخرى، وبوسائل مختلفة في نفس المنطقة، تبدو أقرب إلى الوهم الإيديولوجي والديني، يكاد يستحيل تطبيقه واقعياً، وإلا فإنها الفوضى غير المسبوقة، بكل ما قد ينتج عنها من مخاطر هائلة على الجميع، وأولهم أصحاب هذه الأوهام الإيديولوجية والدينية.