الإمارات حاضرة في «قمة ألاسكا»

يُدرس في علم السياسة أنه إذا أردت أن تفهم جيداً دور أو مكانة دولة ما في النظام الدولي ما عليك سوى رصد ردود فعل الدول الأخرى، خاصة تلك الدول المؤثرة في مجريات الأحداث العالمية أو ما تعرف بالدول الكبرى، على ما تقوم به دولة معينة من سلوكيات دبلوماسية.

فإذا وجدت أن هناك اتفاقاً بين أغلب الفاعلين على إيجابية هذه الدولة، خاصة في مسألة الحرص على تحقيق السلام العالمي وبسط الأمن والاستقرار الدولي، فتأكد أن هذه الدولة تتمتع بثقة دولية من قبل مؤسسات النظام الدولي.

واحترام بين القادة الفاعلين في هذا النظام، وبالتالي فإن مسألة الاستعانة بهذه الدولة في تقريب وجهات النظر بين المختلفين سياسياً وبين المتصارعين عسكرياً أمر وارد وبقوة حتى ولو لم تظهر تلك الدولة في الواجهة الإعلامية أثناء توقيع الاتفاقيات وعند عقد القمم.

لأن هدف هذه النوعية من الدول ليس الظهور الإعلامي الذي عادة ما يتسابق عليه الكثيرون بقدر أن هدفها تقليص مهددات الاستقرار العالمي، وإنعاش التعاون الإنساني الدولي من خلال العمل في كواليس أو دهاليز السياسة الدولية.

الإمارات وقيادتها السياسية في تقديري واحدة من هذه الدول التي تحظى بثقة دولية، لأنها تعمل مع باقي الدول من أجل تخفيف حالة التوتر المتصاعد في كل أنحاء العالم، ولديها سجل حافل من الإنجازات الدبلوماسية على أرض الواقع في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين.

على سبيل المثال لا الحصر نجاحها في إنهاء الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا في يوليو الماضي، والذي امتد لأكثر من أربعة عقود، وكذلك نجحت الإمارات في إنهاء خلاف بين إريتريا وإثيوبيا، والذي امتد هو الآخر لأكثر من ثلاثة عقود، وذلك في عام 2018، وغيرها من النجاحات في مجال الوساطة الدولية.

هذا السجل الدبلوماسي يدفعنا إلى التساؤل: هل دولة الإمارات كانت حاضرة في تفاصيل «قمة ألاسكا» التي عُقدت يوم الجمعة الماضي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

انشغل العالم ولا يزال بـ«قمة ألاسكا» من أجل إيجاد حل للحرب الروسية-الأوكرانية، حيث يعتقد أغلب المراقبين أنها سترسم ملامح جديدة من التفاهمات الدولية وليس أوكرانيا فقط.

ربما هذا ما يفسر حالة القلق التي تنتاب الأوروبيين الذين رافقوا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن يوم الاثنين الماضي ليس فقط من أجل تعزيز موقفه أمام الرئيس ترامب، وإنما في الحقيقة لمحاولة فك حالة الغموض حول ما تم في هذه القمة، التي ما زالت غير واضحة للكثيرين في العالم.

وكما هو معروف فإن العديد من دول العالم تأثرت من هذه الحرب التي تقترب من عامها الرابع سواءً من ناحية حركة التجارة الدولية، وتدفقات السلع وتأمين سلاسل الإمداد والتوريد.

كما أن هناك بعداً إنسانياً كبيراً تركته هذه الحرب ليس في عدد القتلى والجرحى فقط، وإنما الأسرى بين الجانبين، وهو المدخل الإنساني الذي اخترقت فيه دولة الإمارات تعقيدات هذه الأزمة للتوسط بين الأطراف الفاعلة فيه، وخاصة روسيا والولايات المتحدة.

قبل أسبوعين فقط من انعقاد «قمة ألاسكا» كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في العاصمة الروسية موسكو، ويومها يتذكر العالم تصريح الرئيس بوتين أن دولة الإمارات هي المكان المناسب لانعقاد القمة مع الرئيس الأمريكي.

وهذا دليل كافٍ على حالة الثقة التي تتمتع بها دولة الإمارات. وقبل «قمة ألاسكا» بيوم واحد، أي في يوم 14 من أغسطس، كانت دولة الإمارات تعلن عن نجاحها للمرة السادسة عشرة في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في تبادل الأسرى، وهو مؤشر آخر على الفاعلية الإيجابية لدولة الإمارات في تفكيك حدة التوتر السياسي بين البلدين، وبالتالي تهيئة الأجواء لانعقاد «قمة ألاسكا».

في الأزمات الدولية شديدة التعقيد تلعب القضايا البسيطة، وخاصة الإنسانية، دوراً مؤثراً في تفكيك التشبيك والتعقيد لاختراق الأزمة وصولاً للحل، إضافة إلى العلاقة الشخصية التي تربط قادة الدول مع بعضهم بعضاً.

فهي الأخرى كثيراً ما تساعد في حل الأزمات، وهنا لا بد أن نستحضر شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي تربطه علاقة احترام وتقدير مع كل من الرئيسين بوتين وترامب، فهل بعد كل هذا يستطيع أحد أن يقول: إن دولة الإمارات لم تكن حاضرة في «قمة ألاسكا»؟