تجدد الجدل مجدداً باحتفال العالم في يوم البيض العالمي عبر طرح التساؤل الشهير: هل البيضة جاءت قبل الدجاجة أم العكس؟ وقد طلب موقع ميل أونلاين من خبراء التطور الإجابة عن هذا اللغز الذي حير الناس.
ولعل سر جاذبية هذا التساؤل أنه ينعكس على مواقف حياتية يومية يمر بها الأفراد والمؤسسات. هناك من يزعم أن البيضة إن كانت قد تطورت قبل الدجاجة بملايين السنين فذلك لا يعني بالضرورة أن البيضة قد جاءت قبل الدجاجة، وفق تقرير سكاي نيوز.
مصطلح البيضة جاءت قبل أم الدجاجة، هي معضلة سببية تستخدم لتحديد ماذا يجب عمله قبل الآخر.. ففي زحمة النقاشات يطالب البعض مثلاً بالحصول على التمويل قبل بناء المنتج أو يتسرع البعض في الشروع بالتنفيذ قبل الانتهاء من التخطيط الكافي، ليس هذا فحسب، بل إنك تشاهد من يصدر القرارات قبل أن يدرس الحقائق.
«البيضة أم الدجاجة» هو سؤال فلسفي وواقعي أيضاً.. ففي شؤون حياتنا نواجه مشكلات متداخلة لا يمكن حلها بسرعة لأن كل حل يعتمد على مشكلة أخرى ذات صلة، فينجح الفريق في حلها إذا ما كان أعضاؤه يدركون أن بعض المشكلات مرتبطة بحل آخر..
ولذلك من ينفرد بالقرار من دون اكتراث بآراء الآخرين يبدأ بالتخبط لأنه أهدر وقته في حل مشكلة قبل الشروع بحل جذرها. ولذلك نلجأ في الإدارة أحياناً إلى ما يسمى بمخطط عظمة السمكة (Fishbone Diagram). الفكرة باختصار هي رسم هيكل سمكة، ووضع المشكلة الرئيسية عند رأسها، ثم نكتب على كل عظم جانبي الأسباب المحتملة وغيرها من عوامل مؤثرة..
وقد أثبت هذا المخطط فاعليته في كبريات الشركات اليابانية والأمريكية عند تحليل جذور المشكلات الصناعية.. وذلك يعني أن المشكلة عادة ما تكون نتيجة مجموعة أسباب متشابكة، ويصعب حلها من دون فهم حالة الترابط فيما بينها، ولذلك كلما رأيت عظمة السمكة تذكرت بأنها تعطينا درساً بأن من المشاكل ما يرتبط بأسباب متداخلة.
كما أن مفهوم «البيضة أم الدجاجة» يشير إلى مصطلح الترتيب الزمني. على سبيل المثال، ضرورة وجود برامج تدريبية وتأهيلية قبل قبول عشرات المتقدمين للوظائف، وتأمين البنية التحتية قبل التوسع في النطاق العمراني، وإقرار السياسات الاقتصادية الجاذبة قبل ضخ الاستثمارات، وإعداد قيادات الصف الثاني، قبل دفع خيرة القيادات الحالية نحو التقاعد.
والمتأمل لسلسلة القرارات الخاطئة يجدها تأتي من استعجال النتائج قبل بناء الأساس السليم، ولذلك يوفر التخطيط الجيد كثيراً من أوقات التطبيق، فالقرار المتأني، وإن كان بطيئاً قد يجنّب المؤسسة سنوات من إصلاح الأخطاء.
وهناك مسألة في غاية الأهمية وهي أن القرارات المهمة عادة ما تكون فيها جوانب فنية تتطلب رأي مختصين، ومجال الاجتهاد فيها صعب على المستوى الإداري مثل ما هي القطعة البديلة الآمنة التي نضعها بدلاً من القطعة التالفة أو المعتادة .
والتي لم تعد متوافرة. ولذلك يصر متخذو القرار على أن يأخذوا رأياً فنياً مكتوباً إذا ما كانت المعلومة جوهرية أو تمس حياة الناس أو جيوبهم أو تؤثر على المال العام.
في الإدارة، لا تنبثق الخطط إلا من رؤية ورسالة من دونهما يصعب تحديد وجهتنا وبغيابهما تصير مهمة صياغة الأهداف والمبادرات عشوائية وقد تسير في اتجاهات متعارضة، وذلك لأننا لم نجلس في خلوة نصيغ فيها رؤيتنا أو إلى أين نتجه كمؤسسات ودول. فالخلاف على من سبق، «البيضة أم الدجاجة»، ليس أمراً رمزياً بل جوهري وواقعي، لأنه ينبهنا من الوقوع في قرارات خاطئة ومتسرعة.