في مقال نادر كتبته الفنانة ليلى مراد (1918 - 1995م) لمجلة الكواكب، كبرى المجلات الفنية في مصر والعالم العربي وأقدمها، وتم نشره في أحد أعدادها سنة 1956، أخبرتنا عن أحد المواقف الطريفة، التي تعرضت لها من المعجبين الكثر بصوتها الحالم، وأغانيها الرقيقة وأفلامها الرومانسية الجميلة من تلك التي حطمت الأرقام القياسية في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته.
وملخص الحكاية أن شاباً من معجيبها من هواة كتابة كلمات الأغاني ظل يطاردها لزمن من أجل أن تغني من كلماته، معتقداً أنه شاعر يستحق أن تتغنى مطربة مثل ليلى مراد بأشعاره.
لم يكتف الشاب بذلك، بل أرسل لها خطاباً يطلب فيه بإلحاح أن يزورها ويقابلها شخصياً، موضحاً أنه مؤلف أغانٍ سيئ الحظ، وأنه أرسل للإذاعة المصرية نحو 100 أغنية، لكن الإذاعة ردت عليه بعدم حاجتها لأي أغانٍ خلال تلك الفترة.
تقول ليلى ما مفاده أنها اضطرت في نهاية المطاف للقائه كي تضع حداً لمطارداته وإلحاحه، فوجدته يقدم لها نصوصاً لا رابط فيها ولا معنى ولا جاذبية ولا موسيقى، فأحد النصوص مثلاً كان مطلعه «روح النشادر تعمل إيه لما أسقط من طولي»، والثاني كان بعنوان «فايت على بيت حبيبي بعد نص الليل»، والثالث كان يبدأ بعبارة «ياورد يا جميل.. ياجميل الورد.. جمال عينيه منين يا ورد».
وتضيف الفنانة الكبيرة معلقة: «كل الأغاني التي قرأتها كانت بنفس المستوى، فاعتذرت من الشاب بلطف وأخبرته أني لا أحتاج إلى أغانٍ في هذه الفترة»، لكن الشاب ظل يلح ويسألها عن الوقت المناسب الذي تحتاج فيه إلى أغانٍ، لتجيبه ليلى أنها سوف تخبره حينما تستعد لفيلم جديد.
وعلى شاكلة هذا الشاب اللحوح بعث معجب آخر من الهواة إلى ليلى مظروفاً به نحو 50 أغنية، طالباً منها أن تغنيها بصوتها من تلحين ملحن تختاره بنفسها، ولما وجدت ليلى أن معظم تلك الأغاني مسروق من أغانٍ قديمة أهملته، ولم ترد على صاحبها، فما كان من الأخير إلا الذهاب إلى الشرطة، وتقديم شكوى ضدها لاسترداد أغانيه بدعوى الخوف من تسربها إلى مطربين آخرين، وحينما اتصلت الشرطة بليلى لتخبرها عن الشكوى المقدمة ضدها، فرحت وأرجعت مظروف الأغاني الخمسين مع أحد الخدم، واستراحت من صداع ومطاردة هذا الشاب.
كتب محرر مجلة الكواكب تعليقاً ساخراً على ما حدث مع القيثارة ليلى مراد فقال: «تخيل عزيزي القارئ ليلى مراد، صاحبة الصوت الرقيق، تغني أغنية مطلعها «روح النشادر تعمل إيه لما أسقط من طولي».
فعلاً، من يتخيلها مؤدية هذه الكلمات؟ هي التي غنت لحسن السيد «ياحبيب الروح فين أيامك.. لا أنا طايلة عطفك وحنانك، ولا طايلة حتى حرمانك»، وغنت لمأمون الشناوي «إسأل علي وإرحم عيني.. حبيبي إنت إنت الوحيد، ومهما تقسى حبي يزيد، لا ليِ غيرك ولا لي حد، ولا افتكر لك غير كل ود»، وغنت لمحمد علي أحمد «أنا زي ما أنا وانت بتتغير، أنا هو أنا عمر الهنا قصيّر.. أنا روح حواليك شاردة وهايمة، أنا طيف يناديك والناس نايمة»، وغنت لأبي السعود الإبياري «أنا قلبي دليلي قال لي حتحبي، دايماً يحكي لي وبصدق قلبي.. الدنيا جنينة وإحنا أزهارها، فتحنا عنينا على همس طيورها»، وغنت لصالح جودت «باحب اثنين سوا ياهنايا بحبهم، المية والهوا طول عمري جنبهم» وغنت لأحمد رامي «حيرانة ليه بين القلوب، خليت قلبي رح يدوب»، وكذلك «ياما أرق النسيم لما يداعب خيالي، خلاني وحدي أغيب وأسبح في وادي الأماني».