خطاب أمين عام حزب الله

الجمعة الماضي قدم نعيم قاسم خطاباً نارياً توعد فيه بحرب أهلية في لبنان، إذا قامت الدولة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، وهو القرار الذي اتخذ منذ أسبوعين في مجلس الوزراء اللبناني الرسمي ورسمت له مواعيد.

الخطاب لم يقف هناك، ولكن أيضاً هدد بأن الوزارة اللبنانية الحالية هي (عميلة) كما قال، وهذا اتهام آخر لا يقل على التهديد الأول.

أفضل ما يستطيع حزب الله أن يقدمه لإسرائيل من هدية في هذه المرحلة هو بدء حرب أهلية في لبنان، لأنها مناسبة سعيدة لإسرائيل، حيث ينصرف العالم لتغطية أحداث لبنان، وهي مهمة بسبب موقع لبنان الجغرافي والحضاري، وينسى هذا العالم ما يحدث في غزة من أهوال، وهنا تبدأ وسائل الإعلام العربية والغربية الحديث عن صراع القوى في لبنان، وأيضاً التدخل الخارجي المحتمل، وتعطيل الدولة اللبنانية، وينسى الإبادة الجماعية في غزة، فقد تغدو الأحداث هناك شيئاً تفصيلياً!

كما أنها فرصة أخرى لإسرائيل للتدخل المباشر في لبنان، لأن هذه الحرب تقع مباشرة بجانب الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتحتج بحماية أمنها.

هل تهديد حزب الله الناري على لسان أمينه العام هو مناورة، أم هو حقيقة يجب حساب تبعاتها في المستقبل القريب؟ ذلك سؤال لا يمكن الإجابة عنه الآن، ولكن من الواضح أن ذلك الخطاب يراد به شيء من الردع لخطوات الحكومة اللبنانية.

في الوقت نفسه الحكومة اللبنانية لم تظهر بعد أدوات رادعة أكبر، بما يمكن أن تحقق ميزة نسبية على الحزب.

الواقع أن حزب الله لم يعد كما كان منذ أشهر خلت، فلم يعد هناك غطاء سوري أو ممر سوري من الممول الرئيس للحزب، هذا الطريق انقطع تقريباً، كما أن القوى الضاربة للحزب قد تم تهميشها، فالحرب التي دخلها الحزب مع إسرائيل أنهكته.

ما هو لافت في الخطاب السابق للأمين العام لحزب الله، أنه يتحدث عن خروج إسرائيل من لبنان، أي من المناطق الباقية التي تحتلها، وهي مناطق صغيرة، إلا أن الأمر المعروف أن هذا الاحتلال جاء بسبب تدخل الحزب نفسه فيما سماه أمينه العام السابق بحرب الإسناد! من جهة أخرى يأتي هذا الخطاب بعد زيارة علي لاريجاني السريعة إلى لبنان، والتقى فيها سياسيين رسميين، وأيضاً أمين عام الحزب، فهل هذا التصعيد يدل على عدم نجاح زيارة الموفد إلى لبنان؟ وربما كان من المتوقع أن يقنع الحكومة اللبنانية بتأجيل البرنامج الزمني لنزع سلاح حزب الله الذي أقرته حتى آخر هذا العام أي ديسمبر 2025.

ربما لو نجحت الزيارة في تأجيل المواعيد المضروبة من الحكومة اللبنانية، لأصبح ذلك نصراً تكتيكياً لحزب الله والقوى التي تسانده من خارج لبنان، لأن هذا التأجيل ممكن أيضاً أن يتبعه تأجيل آخر ثم تأجيل ثالث حتى تبقى الأمور كما هي، أي وجود سلاح خارج الدولة اللبنانية، وهي المعضلة التي واجهت لبنان في العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير وأقعدت الدولة اللبنانية عن القيام بمهماتها الطبيعية كدولة مستقلة ذات سيادة.

من جانب آخر من الواضح أيضاً أن هناك قوى لبنانية بدأت تميل إلى غسل يدها من حزب الله، وإن كانت تؤيده في السابق، التأييد كان تكتيكياً لأسباب سياسية مرحلية، وأيضاً بوجود قوى مثل النظام السوري السابق الذي كان له مصلحة في بقاء السلاح في يد حزب الله، والهيمنة بشكل غير مباشر على لبنان.

المتغيرات الدولية والإقليمية واضحة المعالم، وهي لا تصب في ميزان مصالح حزب الله التقليدية، فهل هذا الخطاب الناري من الأمين العام مغامرة غير محسوبة لتخريب لبنان؟ الكلمات التي استخدمها الأمين العام كانت واضحة (إما أن يبقى الحزب مسلحاً أو لا يبقى لبنان)!، أم هو من قبيل (بكاء البجعة)! التي تشدو به قبل أن تنفق؟