رد الفعل السلبي لسود أمريكا تجاه تصريحات حكيم جيفريز، زعيم الأقلية بمجلس النواب، له أسبابه التاريخية والمعاصرة، ويكشف عن جوانب لا يجوز تجاهلها في المشهد السياسي الأمريكي الراهن. وحكيم جيفريز، ليس فقط زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب، وإنما هو في الوقت ذاته يتولى أعلى منصب تشريعي يشغله نائب أسود. لذلك، فإن تصريحاته لها أهميتها ووقعها الخاص على سود أمريكا.
والتصريح الذي أثار ردود الفعل السلبية، جاء في حوار تليفزيوني، إذ قال جيفريز إن الديمقراطيين لا يملكون ما يسمح لهم بمواجهة سياسات ترامب. فهو تساءل «ما القوة التي نملكها؟ هم (يقصد الجمهوريين)، يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ وعلى الرئاسة. إنها حكومتهم».
والحقيقة أن ما قاله جيفريز ليس دقيقاً في الواقع العملي. صحيح أن الجمهوريين يسيطرون على الأغلبية بالمجلسين، فضلاً عن الرئاسة، إلا أن ذلك لا يعني بالمرة أن الحزب الديمقراطي بلا أدوات. فالجمهوريون يحتلون 218 مقعداً بمجلس النواب، مقابل 215 للديمقراطيين (ويوجد مقعدان شاغران حتى الآن). ولأن عمل المجلس يقوم جله على الأغلبية البسيطة، فإن الديمقراطيين لا يملكون تعطيل التشريعات. إلا أن هذا لا يعني أنهم بلا أدوات.
والأداة الأهم هي اللجوء للرأي العام، عبر الإعلام والأهم في دوائرهم، وشرح أسباب رفضهم لسياسات الأغلبية. أما في مجلس الشيوخ، فللديمقراطيين أدوات أكثر بكثير. صحيح أن للجمهوريين بالمجلس 53 مقعداً (بما في ذلك المقعدان اللذان شغرا بتولي دي فانس وماركو روبيو منصبي نائب الرئيس ووزير الخارجية)، بينما يشغل الديمقراطيون 45 مقعداً، إلا أن المجلس يعتمد في الكثير من أعماله على أغلبية الثلثين تارة، والإجماع تارة أخرى.
ولهذا السبب، عادة ما تملك الأقلية قوة تفوق أحياناً قوة الأغلبية العددية. فالديمقراطيون الذين يملكون 45 مقعداً، بإمكانهم من خلال 41 صوتاً فقط، تعطيل ما تريده الأغلبية، طالما أنها أقل من 60 صوتاً. بعبارة أخرى، يحتاج الجمهوريون بالمجلس الراهن لتعاون سبعة من الديمقراطيين على الأقل، لتمرير مشروع قانون يريدونه.
غير أن رفض السود لتصريحات جيفريز له أسباب أكثر عمقاً مما تقدم، فالعنصرية والتمييز العرقي فرضا على السود تاريخياً الكفاح حتى في أحلك الظروف. فهم في مقاومتهم للعبودية، لم تكن لديهم أدوات على الإطلاق، وفى مقاومتهم للفصل العنصري، لم تكن لديهم سوى أدوات محدودة. ولكنهم في الحالتين كانوا يملكون عقولاً لامعة، وعزيمة جبارة، فنجحوا في تخطي المحن.
وحتى بعد أن ألغي التمييز المقنن، ظلت هناك أشكال مختلفة من التمييز الهيكلي والمستتر، تتطلب استمرار المقاومة. وهو ما لم يتوانَ عنه السود في أية مرحلة حديثة أو معاصرة. لذلك، كان تصريح جيفريز غريباً على تقاليد السود، كونه صدر عن نائب أسود، خصوصاً أنه يتولى زعامة الحزب الديمقراطي بمجلس النواب.
والسبب الأكثر أهمية وراء رفض السود لتصريحات جيفريز، هو خطورة التطورات السياسية الحالية على مقدراتهم. فعلى سبيل المثال، تجب الإشارة إلى أن نسبة السود الذين يعملون بالحكومة الفيدرالية معتبرة، لأسباب تاريخية. لذلك، فإن طرد إدارة ترامب الآلاف من العاملين بالحكومة الفيدرالية من وظائفهم، تحت شعار «استعادة كفاءة الحكومة»، له تأثيره المباشر في مقدرات الآلاف من الأسر السوداء.
والقرارات التي تتخذها إدارة ترامب ضد برامج «التعددية والدمج الاجتماعي»، بدعوى أنها تستهدف الغلو في مسألتي المثليين والمتحولين جنسياً، هي في الواقع تستهدف كل الأقليات، فعلى سبيل المثال، تهدد إدارة ترامب المدارس العامة بقطع التمويل الفيدرالي عنها إذا لم تقم بإلغاء تلك البرامج. وهي بذلك تقلب مواد قانون 1964 لمكافحة التمييز على رأسه.
فبدلاً من أن يمثل القانون ضمانة تحمى التلاميذ السود من التمييز ضدهم، يصبح إلغاء برامج التعددية هدفه منع التمييز ضد من لا تشملهم تلك البرامج، أي التلاميذ البيض! وحين يقول ترامب إنه يسعى لأن يكون التعليم وتولي الوظائف وفق الكفاءة فقط، فإن السود، بخبرتهم التاريخية، يعتبرونه يقول إن الأحقية ستكون للبيض الذين يملكون المال والنفوذ، وليس حتى كل البيض بالمناسبة.
لكل ذلك، يجد السود أن مقدراتهم في خطر، لا يمكن معه قبول تصريحات جيفريز، التي اعتبروها تدعو للاستسلام.