«لو كنت في البيت الأبيض وقت إطلاق بوتين الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، ما كانت هذه الحرب لتشتعل من الأصل»، ولأن الحديث بصيغة «لو» لا يفيد في شيء، بقدر ما يفيد التمني الذي لا يغير من الحقيقة الماثلة.
ولا يقدم فيها ولا يؤخر؛ فإن الرئيس الأمريكي قد راح وقتها يستدرك ويقول إنه سيوقف الحرب الروسية الأوكرانية بمجرد فوزه ودخوله البيت الأبيض.
ولا بد من أن كثيرين تفاءلوا في ذلك الوقت، وتمنوا فوز المرشح ترامب، لأن الحرب ليست في حقيقتها بين روسيا وأوكرانيا، ولكنها بين فريقين:
أحدهما روسيا ومعها كوريا الشمالية بشكل ظاهر، ثم الصين بشكل غير ظاهر، والآخر أوكرانيا ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفاؤهما على امتداد العالم. ولأنها هكذا في حقيقة الأمر، فإن أثرها امتد إلى كل بيت تقريباً، وكان هذا الأثر على المستوى الاقتصادي بالذات.
والحقيقة أنه حاول، منذ دخل مكتبه في العشرين من يناير، مرات ومرات، ولكن المشكلة أنه بدا منحازاً بشكل واضح إلى الطرف الروسي، وهذا -غالباً- ما جعل الرئيس الروسي يتشدد في الذهاب إلى وقف الحرب، ويضع الشرط من بعد الشرط لوقفها.
كان بوتين يشد «شعرة معاوية» الممدودة بينهما كلما أرخاها ترامب، وكان الأخير يمنح الأول الفرصة بعد الفرصة على مدى الأشهر الستة، ولكن الرئيس الروسي كان يواصل شد الشعرة ولم يكن يعبأ بتحذيرات البيت الأبيض. وقد وصلت التحذيرات في مرحلة من مراحلها إلى حد أن ساكن البيت الأبيض منح ساكن الكرملين مهلة 50 يوماً.
وقال إن روسيا ستتعرض بعدها لعقوبات مضافة من الولايات المتحدة ومن الغرب في الإجمال. وكان الرد الروسي عجيباً؛ إذ قالوا إنهم اكتسبوا مناعة ضد العقوبات من طول فرضها عليهم منذ أن كان الرئيس جو بايدن في الحكم!
وكان من علامات الضيق لدى ترامب أنه اختصر الخمسين يوماً إلى أسبوعين، غير أن هذا بدوره لم تكن له حصيلته الإيجابية على الجانب الروسي، بل كانت الحصيلة سلبية؛ إذ خرج الرئيس الروسي السابق، ديمتري مدفيديف، قائلاً: «إن على الأمريكيين أن يتذكروا أن لدى الروس إمكانات نووية ورثوها عن الاتحاد السوفييتي السابق».
ولم يجد ترامب بداً من أن يأخذ تهديد الرئيس الروسي السابق بالجدية الواجبة، فأعلن أنه أصدر أوامره بنشر غواصتين نوويتين في مناطق مناسبة بالنسبة لروسيا، وذهب لأبعد من هذا حين قال: «إن الولايات المتحدة -ربما- تكون مقبلة على صيف نووي»، وإنه -كونه رئيساً لبلاد العم سام- سوف يتخذ من الإجراءات ما يكفل حماية مواطنيه.
وكان لا بد من أن يرخي الرئيس الأمريكي «شعرة معاوية» التي في يده، فخرج يقول إن مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيزور روسيا، من دون أن يقول ما الذي يحمله الخواجة ويتكوف في حقيبته إلى الروس!
ولكن مجرد ذهابه إلى موسكو يعد نوعاً من إرخاء «شعرة معاوية» بين الطرفين لعلها لا تنقطع، وقد ذهب المبعوث ثم عاد دون أن يقال شيء عن حصيلة الذهاب والإياب.