توجست بعض الأقلام في الدول الخليجية في الفترة الأخيرة، من احتمال تطورات سلبية بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة، وقد يكون بعض ما عرضت له تلك الأقلام يحمل صدقية، بسبب قراءتها للأحداث الأخرى التي تمت وتتم بين أمريكا وبقية حلفائها الغربيين، وهي أحداث مثيرة ومقلقة.. إلا أن تلك القراءة السلبية ربما تكون متسرعة إن استعرضنا الحقائق على الأرض. شعار أمريكا أولاً الذي ترفعه الإدارة الحالية له هدفان، الأول اقتصادي، أي في الغالب تعديل الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة إن أمكن، وتقليل التنافسية الاقتصادية مع الصين كونها بلاد صناعية، أو على الأقل معادلته مع الشركاء الاقتصاديين، والثاني استراتيجي، أي عدم تهديد الأمن القومي الأمريكي كما تراه الإدارة.
في الحالتين دول الخليج ليست معنية بالملفين، فالميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج هو لصالح الولايات المتحدة، فالأرقام المتوفرة تقول إن حجم التبادل التجاري يميل بحوالي ملياري دولار لصالح الولايات المتحدة، وتستورد دول الخليج جل احتياجاتها العسكرية من الولايات المتحدة، بجانب عدد من السلع المختلفة، كما تقول لنا الأرقام المتوفرة إن 141 مليار دولار من صناديق الاستثمار السيادية لدول مجلس التعاون مستثمرة في الولايات المتحدة، وذلك عدى الاستثمار من قبل الشركات الخاصة الخليجية في السوق الأمريكي التي من الصعب رصدها، أي أن ليس هناك مشكلات اقتصادية بينية، بل إن دول المجلس تعتبر سوقاً كبيرة وذات كثافة شرائية للمصنعات والخدمات الأمريكية.
إذا أبعدنا الملف الاقتصادي، فإن دول المجلس لا تشكل تهديداً للأمن الأمريكي أو حتى الإقليمي فقد سعت بدأب أن تقارب المشكلات بأدوات دبلوماسية.. إذاً لا يشكل لا الاقتصاد ولا الأمن أي تهديد من قبل دول المجلس، عدى العلاقات التاريخية الإيجابية التي استمرت لعقود طويلة.
يبقى الموضوع الفلسطيني، وهو موضوع شائك ومعقد، إلا أن دول الخليج تدفع في هذا الملف إلى الاعتدال، وقد تطور المشهد في المنطقة إلى الأفضل بنزع التطرف سواء في تراجع حزب الله اللبناني أم سقوط النظام السوري السابق، وكان الطرفان قد أصبحا، بسبب المزايدة، عبئاً على النظام العربي المعتدل وحركته الدولية. الاختلاف مع الولايات المتحدة في بعض الملفات قد يحدث، ولكن ليس إلى حد العداء أو القطيعة، فقد كانت دول مجلس التعاون، في العقد الأخير محطة لتقريب وجهات النظر، على الرغم من أن بعض الملفات شائكة وتحتاج إلى صبر وبصيرة.
في نهاية المطاف هذا لا يعني عدم الذهاب إلى التحوط، والاعتراف بأن هناك متغيرات دولية عميقة تعصف بالمشهد الدولي، قد يكون لها تأثيرات غير مباشرة على دول الخليج، منها الحرب التجارية العالمية، ومنها احتمال توافق روسي أمريكي قد يؤثر في أسعار الطاقة. ولعل أول حائط للصد في هذا التحوط، هو جمع الكلمة بين دول الخليج أولاً وبينها وبين دول الاعتدال، والتركيز على خطط التنمية المستدامة، وتعزيز حقوق المواطنة، ومحاولة بناء تحالف الموافقين على خطوط عريضة لمواجهة الملفات المطروحة باعتدال ودون مزايدة، والتركيز على المصالح المشتركة، حيث تجتاح الساحة العالمية موجة من عدم اليقين، وتخلق تحديات ومخاطر لا يستطيع عاقل تجاهلها.