فيروز مع مصر والمصريين

توصف مصر بقلعة الفنون، وبوابة الشهرة والنجومية، لذا، كانت وجهة للباحثين عن الانطلاق والانتشار في عوالم الغناء والطرب والتمثيل من أبناء الوطن العربي، لا سيما من لبنان.

والأسماء كثيرة، ابتداء من صباح ونجاح سلام ونور الهدى وسعاد محمد وبديعة مصابني وآسيا داغر وماري كويني ونزهة يونس وهيام يونس قديماً، وانتهاء بطروب وليز سركيسيان (إيمان) ودوللي شاهين ونور اللبنانية ورزان المغربي ومادلين طبر في ما بعد.

فيروز فضلت أن تنطلق من بلدها، وعلى يد الرحابنة، خصوصاً بعدما اقترنت بالشاعر والمؤلف الموسيقي والمسرحي عاصي الرحباني (1923 - 1986).

لا يعني كلامنا هذا أنها استغنت عن قامات مصر الموسيقية في أعمالها.

وشاهدنا هنا، هو أنها أعجبت بأغاني سيد درويش، وأعادت غناء بعضها بتوزيع جديد ومنها: «زوروني كل سنة مرة»، و«الحلوة دي قامت تعجن»، و«أنا هويت»، و«أهو ده اللي صار»، وارتبطت بعلاقة صداقة واحترام مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، كان من ثمارها، قيام عبدالوهاب بتلحين بعض الفيروزيات، مثل: «يا جارة الوادي» و«سهار» و«سكن الليل»، ووصفه لها بأنها «سلطانة الأغنية القصيرة»، القادرة على أن تطرب المستمع في أقصر وقت، وكأنه استمع إليها لساعات.

كما أن فيروز تعاونت في عام 1979، مع الموسيقار رياض السنباطي، في ثلاث أغنيات، تم تسجيلها، لكنها قررت عدم إذاعتها لسبب مجهول، وشاركت الفنان كارم محمود في أداء أغنية «راجعون» الوطنية، من إذاعة صوت العرب المصرية، عام 1955 م، وكانت من ألحان الرحابنة، الذين أعادوا تسجيلها في إذاعة بيروت سنة 1957، مع حذف بعض كلماتها.

من تحقيق نشرته صحيفة «الجريدة» الكويتية (9/6/ 2009)، بعنوان «فيروز في مصر.. حكاية مطربة لم تتخرج من أم الدنيا» يمكن الاستناد إلى دلائل أخرى، تدحض ما روجه البعض عن ود مفقود بين فيروز ومصر، فقط لأنها لم تغنِ فيها منذ أن قدمت حفلتين تحت سفح الهرم سنة 1989.

ربما لا يعلم هؤلاء أن فيروز حرصت أن يكون شهر عسلها في الإسكندرية، سنة 1954، وأنها أعجبت بهذه المدينة المصرية كثيراً، بل غنت لها أغنية «شط إسكندرية» من ألحان الرحابنة سنة 1961، وأنها أقامت عدة حفلات في مصر، ومنها حفلتها عام 1976، التي غنت فيها «مصر عادت شمسك الذهب.. تحمل الأرض وتغترب.. كتب النيل على شطه.. قصصاً بالحب تلتهب»، من كلمات وألحان الرحابنة.

وذكرت إحدى الصحف المصرية كلاماً منسوباً للصحافي محمد حسنين هيكل، مفاده أن الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، كان يحب أغاني فيروز، ولكنه «استكثر ألا تكون مصرية»، بل قال: «من أخطاء المصادفات، أن فيروز ولدت خارج مصر»، بمعنى أنه استكثر وجود مطربة ليست مصرية، تحقق قدراً كبيراً من الانتشار، وتقف نداً لأم كلثوم في نجاحها وشهرتها في العالم.

وظهرت على الساحة الغنائية في عهد أنور السادات المطربة عفاف راضي، صاحبة الصوت النحيل، التي كان الرحابنة مهتمين بصوتها، ويعرفونها منذ دراستها بمعهد الكونسيرفتوار، ومشاركتها بالغناء في حفلات أضواء المدينة في الستينيات.

حاولت عفاف راضي تقليد فيروز، من خلال أداء أغنية «يا ليل الصب»، بلحن مشابه لألحان الرحابنة الناعمة، وضعه المصري فؤاد عبدالمجيد المستكاوي (1926 - 1994)، من توزيع مصطفى ناجي، لكنها فشلت في مجاراة «جارة القمر»، ثم خفت بريقها وتوارت سريعاً.